هو من أكبر الأمثلة على علو الهمة وقوة العزيمة التي
يمكن أن تسمو بصاحبها من القاع إلى القمة ومن الدنى إلى العلا، هو البطل الشجاع
والقائد الهمام يعقوب بن الليث الصفار الملقب بالسندان، والذي كان يعمل في بداية حياته
في صناعة الصفر «الأواني النحاسية» وكان من الزهاد الشجعان، ومن المتطوعين الذين
يحاربون كفار الترك والخوارج في «سجستان»، وقد اشتهر وسط جموع المتطوعين بشجاعته
الفائقة في القتال، وارتقى حاله بعزيمته وحب المتطوعين له، حتى صار أميرًا
للمتطوعين، وأوقع بالخوارج عدة هزائم كبيرة كسرت شوكتهم للأبد بسجستان، فأقبل عليه
أهل سجستان وأقنعوه بأن يتولى الإمارة، فغلب يعقوب بن الليث على أمير سجستان
وضبطها ونشر العدل فيها وقضى على المفسدين، فذاعت شهرته ومال إليه أهل مدينة هراة
وبوشنج وعرضوا عليه تولي الإمارة عليهم بسبب هجمات الخوارج عليهم، وبعد معارك داخلية
مع ولاة هذه المدن أصبح يعقوب الصفار أميرًا عليهم وذلك سنة 254هـ.
بعد ذلك انشغل يعقوب الصفار بقتل كفار الترك وحقق عليهم
انتصارات عظيمة، وقتل واحدًا من كبار ملوكهم واسمه «كبتير» وكان هذا الطاغية يدعي
الألوهية، وفتح يعقوب مدن الرخج وزابلستان وبلاد الخلج، وتضخمت قوة «يعقوب الصفار» فأراد الخليفة المعتز بالله أن يستفيد من قوته، فولاه إمرة
إقليم فارس مكان واليها «علي بن الحسين»، وكان ممتنعًا بها
عن الخليفة فسار يعقوب الصفار لقتال أمير فارس «علي بن الحسين» ودار بينهما
وقائع كثيرة، تغلب فيها يعقوب الصفار على جيوش علي بن الحسين الكثيرة، وقد أبدى
قوة وثباتًا وعزيمة في القتال جعلت القاصي والداني والعدو والصديق يتوجس خيفة من
شدة بأس وسطوة وطموحات يعقوب الصفار.
بعد أن سيطر يعقوب الصفار على أجزاء شاسعة من خراسان،
أخذت نفسه تحدثه بالسيطرة على خراسان كلها، وكان عليه أن يصطدم وقتها بالدولة
الطاهرية والتي قامت أيام المأمون سنة 207هـ،
وأيضًا يصطدم بالدولة الزيدية في طبرستان وجرجان، وهو ما قام به بالفعل بعد حروب
طاحنة تعتبر كلها حروب دنيا ومصالح وأطماع، واضطر الخليفة المعتمد لأن يسكت عن هذه
الأطماع والتوسعات حينًا من الدهر، حتى أخذت أطماع يعقوب تخرج عن طورها وتذهب به
لأبعد مدى، حيث فكر في الاستيلاء على بغداد وأن يتولى الخلافة نفسها، وعندها حاربه
الخليفة بنفسه وهزمه بعد أن انفض معظم عسكر يعقوب الصفار عنه، وبعد ذلك بقليل توفي
الصفار في 19 شوال سنة 265هـ