ماسح الاحذية
أطفال صغار من اصحاب مهنة ماسحى الاحذية
التقطت ... الصورة عام 1923
الديكتاتورية من زاوية المسح هي عندما يجد المواطن نفسه مجبرا على مسح ولعق حذائها أو أن تدوسه بحذائها الثقيل كل يوم +
.واذا هاجرت فقد تزاول احقر المهن لأنك بكل بساطة في نظرهم قادم من الجنوب المتخلف, وبالتالي يصعب ان تعيش المواطنة من الدرجة الأولى +
فعلا ما أشقانا نحن المواطنون العرب في هذا العالم الذي أضحى أمامنا أضيق من ركن مظلم ومعزول وبخيارات جد محدودة كان آخرها الخيار التراجيدي الأكثر مأساة على
الطريقة البوعزيزية
ومن هنا أدعوكم الى وقفة تأمل
وبالضبط عندما تمر يوما ما بجوار أحدهم وتنظر الى حذائك وتريد تلميعه عند ماسح الأحذية.
فإذا مررت يوما ما بجوار أحدهم ونظرت الى حذائك وأردت تلميعه عند ماسح الأحذية,فاعلم ياصديقي العزيز أن من ستمد له رجلك ليمسح أوساخ حذائك أنه انسان مثلك قهرته الظروف في مجتمع لا يرحم وواقع مرير ووطن مسروق أنتج لنا أناسا في الهامش البعيد جدا, لا أحد يكترث بهم وكأنهم من خارج الزمن!
قبل أن تمد رجلك لماسح الأحذية,فكر ألف مرة,ثم فكر في الظروف ألاإنسانية التي جعلت منه ماسح أحذية وجردته من كرامته الإنسانية.فهي نفس الظروف التي قد تسقط فيها انت يوما ما, أوغدا ابنك,أو أحد أبناء أبناءك.., ومن يدري فقد تكون هي نفس الظروف البئيسة التي داست كرامة أحد أبائك و أنت لا تدري؟
فقط مجرد دعوة للتأمل والتفكر قبل أن تمد حذائك الى ماسح الأحذية لتزهو بلمعانه ونوعيته الايطالية..
فقط تذكر أن في هذا العالم هناك أنواع عديدة من الماسحين والمسّاحين. فقد تجد من يمسح لك حذاءك ويلمعه بأجر زهيد من أجل لقمة عيش زهيدة!وأن هناك من يحترف النذالة وينحني بخبث جبان ليلعق الأحذية ويمسح غرورالأسياد,ليس من أجل لقمة عيش..ولكن ليجعل بعضا من الأشقياء تحت حذاءه اشباعا لشجع ومرض عميق متجذر من الخبث و النذالة !
أما أنا فانصحك أن تتذكر أن الدنيا فانية وأن الانسان هو "المعاني والقيم الانسانية" وأن تحترف المسح بدورك هواية
والمسح هنا الذي ادعوكم اليه هو مسح من من نوع اخر,وهو أن تكون ماسحا لدموع البؤساء والأشقياء من أصدقاءك وأحبائك و أهلك ومعارفك ..فهناك أناس نبلاء لا يسرقون و لا يقطعون طرقا و لا ينتشلون و لا يحتالون رغم ظلم الواقع المرير الذي تتبرأ منه الأقدار نفسها.. أناس يستحقون فعلا أن نمسح على دموعهم من أثار الحرمان والتهميش ليس عطفا و انما تضامنا, ليس معهم فقط وانما أولا مع انسانيتنا !
هذه هي أخلاق الأنبياءالذين لم نعهد منهم أحدا يمسح أحذيتهم ولايفترشون لهم الزرابي الحمراء !
- ليس المروءة فقط يا صديقي أن لا تنحني للآخرين..ولكن قمة المروءة ألا تجعل الآخرين ينحنون لك. أو ليس كمن قال :من اليمين ولو كان عمر في اليسار؟
وأنت مقبل على مدِّ أحدرجليك اليسرى أو اليمنى لماسح الأحذية, توقف قليلا يا صديقي وفكر في هذا الانسان,فالانسانية معاني ولا يحيا الانسان ولايرقى الا بالمعاني. وخذ حذائك وتناول الفرشات من عنده وامسح حذاءك بنفسك,ثم امنحه أجره كاملا كأنه هو من قام بتنظيف حذاءك ثم انصرف..ولا تنسى كلمتي "شكرا" و"عفى الله"..
أن تشعر بانسانيتك هي أن تشعر وتحس أنك من الاخرين..صدقني حينها فقط ستفهم معنى السعادة الحقيقية.
يجب أن نخلص مجتمعنا من بعض المظاهر التي تحط من كرامة الانسان أو على الأقل أن نعلمها للأجيال الصاعدة ونحيي فيهم روح المعاني الانسانية فالناس سواسية كأسنان المشط.وكذلك أن نخلص المجتمع من النوع الأحقر للمساحين الذين يحترفون مسخ الشفافية وأن تكون الكفاءة والمثابرة هي مقياس التنافس الشريف وليس ان نقيس الأمور من تحت الطاولة أو مسحا لحذاءالتسلط و النفوذ!
- عندما وقف نيرون في شرفة قصره يتمتع برؤية روما التي أحرقها بكامل مجدها،كان يقف إلى جانبه مرافقه الفيلسوف رينون. فسأله نيرون كيف وجد منظر روما وهي تحترق، فقال له الفيلسوف:
"إذا احترقت روما فسيأتي من يعيد بناءها من جديد،وربما أحسن مما كانت عليه، لكن الذي
يحز في نفسي هو أنني أعلم أنك فرضت على شعب كتعلم شعر رديء فقتلت فيهم المعاني، وهيهات إذا ماتت المعاني في شعب أن يأتي من يحييها منجديد ".
أرجوكم لقد سلبتم كل شيء فلا تسلبوا العقول عندما تقتلون المعاني!
وهذة قصة تحمل الكثير من المعانى والتفكير فى الحياة
تشبث بجلباب أبيه على مئات الكيلومترات، قطعها القطار من سوهاج حيث بلدته «الكوامل» إلى القاهرة وسوقها الصاخب «روض الفرج»، لكن الطفل الصغير تنبه بعد ساعات من الزحام والصراخ أن يده تمسك الهواء، وقرب المغرب ضبط نفسه باكيا جائعا، حاول الهرب من قبضة القاهرة الموحشة فخارت قواه تحت عجلات ترام، ففقد قدمه، ولم يشعر بنفسه إلا بعد أسبوع طريدا من المستشفى يتكئ على عصا متهالكة. لم يحاول العودة «للكوامل» خشية أن يسأله أبوه عن قدمه، حتى وإن حاول لم يكن يعرف أين طريقها وكيف يذهب، وهو لا يملك مالا ولا صحة.
لم يجد عبد العزيز، الذي يعمل منذ نصف قرن ماسحا للأحذية في القاهرة، أمامه سوى الشارع، امتهن جمع «السبارس» أي التقاط أعقاب السجائر من الأرض ثم بيعها بالكيلو. كان الكيلو ثمنه 20 قرشا، يبيعه لتاجر جملة في منطقة «كلوت بيك» في وسط القاهرة، أمنت له تلك المهنة عيشا على الكفاف، لكن منحته قدرا كبيرا من الهلع، مع نوبات الشرطة المفاجئة الباحثة عن المتسولين وأولاد الشوارع. كاد يقع ضحية الخلط، فبشكله الرث وقدمه الطائرة كان مؤهلا ليحظى بدور متسول بامتياز، ورغم بعده عن التسول إلا أنه وقع ضحية إحدى الحملات، لم يتمكن من الفرار، كان جزاؤه ثماني سنوات في مؤسسة اجتماعية لرعاية الأحداث.
في حلوان بأقصى جنوب القاهرة، قضى عبد العزيز أياما موحشة بالمؤسسة، لم ير أيا من أهله فلا يعرفون طريقا له، ولم يتعلم إلا مهنة صنع «مشايات» من سعف النخيل. قرب نهاية مدة وجوده هناك أدرك أنه تعلم المهنة الخطأ، لصعوبة تسويق منتجاتها، وقلة العائد منها في ذلك الحين، خرج من أبواب المؤسسة عام 1960 لتبدأ رحلة الضياع الثانية بحسب تعبيره، معه 13 جنيها هي مجمل مكافأته.
أشار عليه صديق له باقتناء صندوق خشبي لمسح الأحذية، نفذ الفكرة واستقر بمحطة باب اللوق بوسط القاهرة لربع قرن قبل أن ينتقل بصندوقه، إلى ميدان التحرير في منتصف الثمانينات.
بعد ترويض صندوقه على كيفية جلب لقمة العيش قرر عبد العزيز الزواج، ومن خلال أصدقائه تعرف على أسرة من «أبشواي» التابعة لمحافظة الفيوم (80 كيلو مترا جنوب القاهرة)، حكى لهم على ظروفه الصحية والمالية، عرضوا الأمر على ابنتهم، وافقت على الفور طالما هو قادر على إعالتها، دبر سريرا ودولابا وكنبة، واستقر الزوجان في منطقة إمبابة شمال الجيزة، وأثمر الزواج عن صالحة ومحمد ومحمود وعرفة.
بعد زواجه، ذهب عبد العزيز تاركا الصندوق ومتكئا على قلب زوجته إلى الكوامل، كان أبوه وأمه على قيد الحياة، ظن الجميع أنه مات، احتضنته أمه بلهفة العائد للحياة، قبل أن تتفحص جسده وتلمح قدمه الغائبة، عاتبه أبوه بدفء على طول غيابه، ثم قضى يومين هناك، وعاد ليستكمل حياته الجديدة.
في جلسته الممتدة من السابعة صباحا حتى منتصف الليل طوال نصف قرن، ازداد عبد العزيز وعيا بأشياء كثيرة، وحفلت ذاكرته بأحداث صاخبة، يتذكر ما جرى في يناير (كانون الثاني) 1977، وهي الأحداث التي أطلق عليها السادات انتفاضة الحرامية، وأطلق عليها خصومه انتفاضة الجوعى: «كنت في ميدان باب اللوق، رأيت الناس بالمئات يحطمون كل ما يقابلهم، ويرشقون السيارات العامة بالحجارة، خدتها من قاصرها ونمت وراء السور، واستخبيت، وبعد أسبوع خطب السادات وقال إنه هيرجع الأسعار زي ما هي باستثناء السجائر عشان مضرة للصحة».
لوجوده في سُرَّة القاهرة وهي ميدان التحرير، يتقاطع عبد العزيز في يومه مع السياسة.. مواكب مسؤولين ومظاهرات وجنازات لشخصيات مهمة تمر من أمامه، لكنه يخشى المظاهرات، لأنها «تقطع العيش، وبتجيب القلق»، كما يكره السياسة وألاعيبها، ورموزها، فقط كان يحب عصر عبد الناصر لأنه «متواضع وحاسس بالغلابة، وكانت الحاجة رخيصة»، كما يعشق أسامة الباز المستشار السياسي لرئيس الجمهورية، فهو زبون دائم، يمر عليه كل فترة، ويدفع بسخاء، كما يحترم دوره ويصر على الانتظار لو كان يسبقه أحد، ولا تجدي محاولات الزبون الآخر تقديمه عليه، «راجل محترم ويدينا اللي فيه النصيب كل فترة، ربنا يكرمه».
ومثلما يكره السياسة يكره هجمات البلدية المباغتة، فهي من جانب تذكره بلحظات صعبة مر بها طوال حياته، كما تعرضه لفقدان صندوقه وزبائنه، وبعد احتجاز لساعات من الممكن أن يسترد الصندوق بعد دفع الغرامة، أو لا يسترده، وهنا يقترض 100 جنيه من بائع الجرائد المجاور لصنع غيره، وهكذا تدور الدائرة.
طوال خمسين عاما مسح عبد العزيز ملايين الأحذية، ومع خبرته الطويلة أصبح خبيرا في الفحص الطبقي لزبائنه، فمن نوعية حذاء الزبون يتوقع الأجر الذي سيحصل عليه ومقدار البقشيش، كما أن نظرته لنوعية الجلد لا تخيب، لكنه يفضل «صنعة زمان» لأن الأحذية كانت تفصل يدويا، وكان العامل يتقن صنعته بشدة لأن تسويقه يعتمد على السمعة وحديث الزبائن عن جودة سلعته. يستطرد عبد العزيز قائلا: «زمان كانت المسحة بقرش، دلوقتي بجنيه، بس الحياة صعبة، ومبقتش زي الأول». يتحصل عبد العزيز في يومه على 20 جنيها صافية، لكن عليه أن يدفع إيجارا شهريا قدره 200 جنيه، إضافة إلى 285 جنيها هي أقساطه الشهرية لمدة 20 شهرا، نظير جهاز ابنته «صالحة» التي تزوجت منذ 4 أشهر.
أما ابنه محمد فيعمل نجارا، وابنه عرفة يتاجر في الأحزمة ويتاجر ابنه محمود في إكسسوارات الموبايل، كل منهم استقل بنفسه اقتصاديا، وبقي عبد العزيز يعول نفسه وزوجته أيضا ويسدد أقساط أختهم.
اختفت الآن وحشة القاهرة التي جربها عبد العزيز منذ 65 عاما، أصبح يشعر بالغربة إذا زار مسقط رأسه «الكوامل» كل عدة سنوات لأداء واجب عزاء أو مشاركة في فرح، بتقدم العمر وضعف النظر، وإنهاك الجسد ابتعدت المسافة أكثر، وبموت معظم الأقارب، أصبحت الزيارات أكثر ندرة، ازداد التصاقا بميدان التحرير، نسي قدمه التي قطعت، بعد أن أعانه أهل الخير على شراء جهاز تعويضي، يستند إلى ظهر جدار محطة المترو إذا شعر بالتعب ثم يستعيد نشاطه وحيويته مع كوب من الشاي الصعيدي المنعش، قبل أن يطلق صيحته العذبة التي يكررها منذ خمسة عقود.. «تلمع يا بيه».
]
أطفال صغار من اصحاب مهنة ماسحى الاحذية
التقطت ... الصورة عام 1923
الديكتاتورية من زاوية المسح هي عندما يجد المواطن نفسه مجبرا على مسح ولعق حذائها أو أن تدوسه بحذائها الثقيل كل يوم +
.واذا هاجرت فقد تزاول احقر المهن لأنك بكل بساطة في نظرهم قادم من الجنوب المتخلف, وبالتالي يصعب ان تعيش المواطنة من الدرجة الأولى +
فعلا ما أشقانا نحن المواطنون العرب في هذا العالم الذي أضحى أمامنا أضيق من ركن مظلم ومعزول وبخيارات جد محدودة كان آخرها الخيار التراجيدي الأكثر مأساة على
الطريقة البوعزيزية
ومن هنا أدعوكم الى وقفة تأمل
وبالضبط عندما تمر يوما ما بجوار أحدهم وتنظر الى حذائك وتريد تلميعه عند ماسح الأحذية.
فإذا مررت يوما ما بجوار أحدهم ونظرت الى حذائك وأردت تلميعه عند ماسح الأحذية,فاعلم ياصديقي العزيز أن من ستمد له رجلك ليمسح أوساخ حذائك أنه انسان مثلك قهرته الظروف في مجتمع لا يرحم وواقع مرير ووطن مسروق أنتج لنا أناسا في الهامش البعيد جدا, لا أحد يكترث بهم وكأنهم من خارج الزمن!
قبل أن تمد رجلك لماسح الأحذية,فكر ألف مرة,ثم فكر في الظروف ألاإنسانية التي جعلت منه ماسح أحذية وجردته من كرامته الإنسانية.فهي نفس الظروف التي قد تسقط فيها انت يوما ما, أوغدا ابنك,أو أحد أبناء أبناءك.., ومن يدري فقد تكون هي نفس الظروف البئيسة التي داست كرامة أحد أبائك و أنت لا تدري؟
فقط مجرد دعوة للتأمل والتفكر قبل أن تمد حذائك الى ماسح الأحذية لتزهو بلمعانه ونوعيته الايطالية..
فقط تذكر أن في هذا العالم هناك أنواع عديدة من الماسحين والمسّاحين. فقد تجد من يمسح لك حذاءك ويلمعه بأجر زهيد من أجل لقمة عيش زهيدة!وأن هناك من يحترف النذالة وينحني بخبث جبان ليلعق الأحذية ويمسح غرورالأسياد,ليس من أجل لقمة عيش..ولكن ليجعل بعضا من الأشقياء تحت حذاءه اشباعا لشجع ومرض عميق متجذر من الخبث و النذالة !
أما أنا فانصحك أن تتذكر أن الدنيا فانية وأن الانسان هو "المعاني والقيم الانسانية" وأن تحترف المسح بدورك هواية
والمسح هنا الذي ادعوكم اليه هو مسح من من نوع اخر,وهو أن تكون ماسحا لدموع البؤساء والأشقياء من أصدقاءك وأحبائك و أهلك ومعارفك ..فهناك أناس نبلاء لا يسرقون و لا يقطعون طرقا و لا ينتشلون و لا يحتالون رغم ظلم الواقع المرير الذي تتبرأ منه الأقدار نفسها.. أناس يستحقون فعلا أن نمسح على دموعهم من أثار الحرمان والتهميش ليس عطفا و انما تضامنا, ليس معهم فقط وانما أولا مع انسانيتنا !
هذه هي أخلاق الأنبياءالذين لم نعهد منهم أحدا يمسح أحذيتهم ولايفترشون لهم الزرابي الحمراء !
- ليس المروءة فقط يا صديقي أن لا تنحني للآخرين..ولكن قمة المروءة ألا تجعل الآخرين ينحنون لك. أو ليس كمن قال :من اليمين ولو كان عمر في اليسار؟
وأنت مقبل على مدِّ أحدرجليك اليسرى أو اليمنى لماسح الأحذية, توقف قليلا يا صديقي وفكر في هذا الانسان,فالانسانية معاني ولا يحيا الانسان ولايرقى الا بالمعاني. وخذ حذائك وتناول الفرشات من عنده وامسح حذاءك بنفسك,ثم امنحه أجره كاملا كأنه هو من قام بتنظيف حذاءك ثم انصرف..ولا تنسى كلمتي "شكرا" و"عفى الله"..
أن تشعر بانسانيتك هي أن تشعر وتحس أنك من الاخرين..صدقني حينها فقط ستفهم معنى السعادة الحقيقية.
يجب أن نخلص مجتمعنا من بعض المظاهر التي تحط من كرامة الانسان أو على الأقل أن نعلمها للأجيال الصاعدة ونحيي فيهم روح المعاني الانسانية فالناس سواسية كأسنان المشط.وكذلك أن نخلص المجتمع من النوع الأحقر للمساحين الذين يحترفون مسخ الشفافية وأن تكون الكفاءة والمثابرة هي مقياس التنافس الشريف وليس ان نقيس الأمور من تحت الطاولة أو مسحا لحذاءالتسلط و النفوذ!
- عندما وقف نيرون في شرفة قصره يتمتع برؤية روما التي أحرقها بكامل مجدها،كان يقف إلى جانبه مرافقه الفيلسوف رينون. فسأله نيرون كيف وجد منظر روما وهي تحترق، فقال له الفيلسوف:
"إذا احترقت روما فسيأتي من يعيد بناءها من جديد،وربما أحسن مما كانت عليه، لكن الذي
يحز في نفسي هو أنني أعلم أنك فرضت على شعب كتعلم شعر رديء فقتلت فيهم المعاني، وهيهات إذا ماتت المعاني في شعب أن يأتي من يحييها منجديد ".
أرجوكم لقد سلبتم كل شيء فلا تسلبوا العقول عندما تقتلون المعاني!
وهذة قصة تحمل الكثير من المعانى والتفكير فى الحياة
تشبث بجلباب أبيه على مئات الكيلومترات، قطعها القطار من سوهاج حيث بلدته «الكوامل» إلى القاهرة وسوقها الصاخب «روض الفرج»، لكن الطفل الصغير تنبه بعد ساعات من الزحام والصراخ أن يده تمسك الهواء، وقرب المغرب ضبط نفسه باكيا جائعا، حاول الهرب من قبضة القاهرة الموحشة فخارت قواه تحت عجلات ترام، ففقد قدمه، ولم يشعر بنفسه إلا بعد أسبوع طريدا من المستشفى يتكئ على عصا متهالكة. لم يحاول العودة «للكوامل» خشية أن يسأله أبوه عن قدمه، حتى وإن حاول لم يكن يعرف أين طريقها وكيف يذهب، وهو لا يملك مالا ولا صحة.
لم يجد عبد العزيز، الذي يعمل منذ نصف قرن ماسحا للأحذية في القاهرة، أمامه سوى الشارع، امتهن جمع «السبارس» أي التقاط أعقاب السجائر من الأرض ثم بيعها بالكيلو. كان الكيلو ثمنه 20 قرشا، يبيعه لتاجر جملة في منطقة «كلوت بيك» في وسط القاهرة، أمنت له تلك المهنة عيشا على الكفاف، لكن منحته قدرا كبيرا من الهلع، مع نوبات الشرطة المفاجئة الباحثة عن المتسولين وأولاد الشوارع. كاد يقع ضحية الخلط، فبشكله الرث وقدمه الطائرة كان مؤهلا ليحظى بدور متسول بامتياز، ورغم بعده عن التسول إلا أنه وقع ضحية إحدى الحملات، لم يتمكن من الفرار، كان جزاؤه ثماني سنوات في مؤسسة اجتماعية لرعاية الأحداث.
في حلوان بأقصى جنوب القاهرة، قضى عبد العزيز أياما موحشة بالمؤسسة، لم ير أيا من أهله فلا يعرفون طريقا له، ولم يتعلم إلا مهنة صنع «مشايات» من سعف النخيل. قرب نهاية مدة وجوده هناك أدرك أنه تعلم المهنة الخطأ، لصعوبة تسويق منتجاتها، وقلة العائد منها في ذلك الحين، خرج من أبواب المؤسسة عام 1960 لتبدأ رحلة الضياع الثانية بحسب تعبيره، معه 13 جنيها هي مجمل مكافأته.
أشار عليه صديق له باقتناء صندوق خشبي لمسح الأحذية، نفذ الفكرة واستقر بمحطة باب اللوق بوسط القاهرة لربع قرن قبل أن ينتقل بصندوقه، إلى ميدان التحرير في منتصف الثمانينات.
بعد ترويض صندوقه على كيفية جلب لقمة العيش قرر عبد العزيز الزواج، ومن خلال أصدقائه تعرف على أسرة من «أبشواي» التابعة لمحافظة الفيوم (80 كيلو مترا جنوب القاهرة)، حكى لهم على ظروفه الصحية والمالية، عرضوا الأمر على ابنتهم، وافقت على الفور طالما هو قادر على إعالتها، دبر سريرا ودولابا وكنبة، واستقر الزوجان في منطقة إمبابة شمال الجيزة، وأثمر الزواج عن صالحة ومحمد ومحمود وعرفة.
بعد زواجه، ذهب عبد العزيز تاركا الصندوق ومتكئا على قلب زوجته إلى الكوامل، كان أبوه وأمه على قيد الحياة، ظن الجميع أنه مات، احتضنته أمه بلهفة العائد للحياة، قبل أن تتفحص جسده وتلمح قدمه الغائبة، عاتبه أبوه بدفء على طول غيابه، ثم قضى يومين هناك، وعاد ليستكمل حياته الجديدة.
في جلسته الممتدة من السابعة صباحا حتى منتصف الليل طوال نصف قرن، ازداد عبد العزيز وعيا بأشياء كثيرة، وحفلت ذاكرته بأحداث صاخبة، يتذكر ما جرى في يناير (كانون الثاني) 1977، وهي الأحداث التي أطلق عليها السادات انتفاضة الحرامية، وأطلق عليها خصومه انتفاضة الجوعى: «كنت في ميدان باب اللوق، رأيت الناس بالمئات يحطمون كل ما يقابلهم، ويرشقون السيارات العامة بالحجارة، خدتها من قاصرها ونمت وراء السور، واستخبيت، وبعد أسبوع خطب السادات وقال إنه هيرجع الأسعار زي ما هي باستثناء السجائر عشان مضرة للصحة».
لوجوده في سُرَّة القاهرة وهي ميدان التحرير، يتقاطع عبد العزيز في يومه مع السياسة.. مواكب مسؤولين ومظاهرات وجنازات لشخصيات مهمة تمر من أمامه، لكنه يخشى المظاهرات، لأنها «تقطع العيش، وبتجيب القلق»، كما يكره السياسة وألاعيبها، ورموزها، فقط كان يحب عصر عبد الناصر لأنه «متواضع وحاسس بالغلابة، وكانت الحاجة رخيصة»، كما يعشق أسامة الباز المستشار السياسي لرئيس الجمهورية، فهو زبون دائم، يمر عليه كل فترة، ويدفع بسخاء، كما يحترم دوره ويصر على الانتظار لو كان يسبقه أحد، ولا تجدي محاولات الزبون الآخر تقديمه عليه، «راجل محترم ويدينا اللي فيه النصيب كل فترة، ربنا يكرمه».
ومثلما يكره السياسة يكره هجمات البلدية المباغتة، فهي من جانب تذكره بلحظات صعبة مر بها طوال حياته، كما تعرضه لفقدان صندوقه وزبائنه، وبعد احتجاز لساعات من الممكن أن يسترد الصندوق بعد دفع الغرامة، أو لا يسترده، وهنا يقترض 100 جنيه من بائع الجرائد المجاور لصنع غيره، وهكذا تدور الدائرة.
طوال خمسين عاما مسح عبد العزيز ملايين الأحذية، ومع خبرته الطويلة أصبح خبيرا في الفحص الطبقي لزبائنه، فمن نوعية حذاء الزبون يتوقع الأجر الذي سيحصل عليه ومقدار البقشيش، كما أن نظرته لنوعية الجلد لا تخيب، لكنه يفضل «صنعة زمان» لأن الأحذية كانت تفصل يدويا، وكان العامل يتقن صنعته بشدة لأن تسويقه يعتمد على السمعة وحديث الزبائن عن جودة سلعته. يستطرد عبد العزيز قائلا: «زمان كانت المسحة بقرش، دلوقتي بجنيه، بس الحياة صعبة، ومبقتش زي الأول». يتحصل عبد العزيز في يومه على 20 جنيها صافية، لكن عليه أن يدفع إيجارا شهريا قدره 200 جنيه، إضافة إلى 285 جنيها هي أقساطه الشهرية لمدة 20 شهرا، نظير جهاز ابنته «صالحة» التي تزوجت منذ 4 أشهر.
أما ابنه محمد فيعمل نجارا، وابنه عرفة يتاجر في الأحزمة ويتاجر ابنه محمود في إكسسوارات الموبايل، كل منهم استقل بنفسه اقتصاديا، وبقي عبد العزيز يعول نفسه وزوجته أيضا ويسدد أقساط أختهم.
اختفت الآن وحشة القاهرة التي جربها عبد العزيز منذ 65 عاما، أصبح يشعر بالغربة إذا زار مسقط رأسه «الكوامل» كل عدة سنوات لأداء واجب عزاء أو مشاركة في فرح، بتقدم العمر وضعف النظر، وإنهاك الجسد ابتعدت المسافة أكثر، وبموت معظم الأقارب، أصبحت الزيارات أكثر ندرة، ازداد التصاقا بميدان التحرير، نسي قدمه التي قطعت، بعد أن أعانه أهل الخير على شراء جهاز تعويضي، يستند إلى ظهر جدار محطة المترو إذا شعر بالتعب ثم يستعيد نشاطه وحيويته مع كوب من الشاي الصعيدي المنعش، قبل أن يطلق صيحته العذبة التي يكررها منذ خمسة عقود.. «تلمع يا بيه».
]