أبناء الصعيد فن ابداع اصالة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

كل ما يهم اهل الصعيد من معلومات و ابداع


2 مشترك

    "فوائد الذنوب" الشيخ سعيد شعلان

    avatar
    أم الإمام


    الجنس : انثى
    الابراج : العقرب
    عدد الرسائل : 13
    تاريخ الميلاد : 04/11/1968
    العمر : 55
    نقاط : 23
    تاريخ التسجيل : 20/01/2011

    مميز "فوائد الذنوب" الشيخ سعيد شعلان

    مُساهمة من طرف أم الإمام السبت 22 يناير - 10:26:42

    فوائد الذنوب":--

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله:--

    أما بعد:--

    أيها المستقبلون الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:--

    قد يقول الناظر في عنوان هذه الرسالة: نحن لم نستسغ بعد عنوان الرسالة الماضية: "هل وُلِدَتْ قلوبنا؟"، لأنه لا يُتَصَّوَرُ ولادة الإنسان وهو كبير، وإذا أنت تخرج علينا في هذه الرسالة بعنوان أعجب! "فوائد الذنوب"!!! وهل للذنوب فوائد؟
    كيف يكون للذنوب فوائد والنصوص التي جاءت في الوعيد على فعل الذنوب كثيرة في القرآن والسنة، يكفينا منها قوله تعالى: "مَنْ يَعْمَلْ سوءاً يُجْزْ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُوْنِ اللهِ وَلِّياً وَلا نَصِيْراً" النساء 123.

    فأقول أما بالنسبة للموضوع الماضي: فالجواب على الاستشكال واضح.

    وأما بالنسبة لموضوعنا اليوم: فإني لم أَقُلْ لأحدٍ: أَذْنِبْ حتى تَجْنِيَ الفوائد، ومَعاذَ الله أن أقول ذلك، وإنما أردت أن أبين أن الله تعالى يُخَّلِيْ بين العبد وبين الذنب ولا يَعْصِمُهُ منه لِحِكَمٍ عظيمة وفوائد كثيرة تترتب على الحالة النفسية التي يؤول إليها الإنسان بعد الوقوع في الذنب، وبعد محاسبته لنفسه على ارتكاب ما ارتكبه من ذنب.

    وسأذكر لكم إحدى وثلاثين فائدةً تترتب على فعل الذنوب، ذكرها ابن القيم في كتابه "طريق الهجرتين"، مع تعليقي على كل فائدة بما يوضحها، ولكني أمهد لهذا الموضوع -البالغ الأهمية- بذِكْر تفسير الشيخ ابن سعدي للآية 24 من سورة الأنفال، وهي قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تُحْشَرُوْنَ".

    يأمر تعالى عباده المؤمنين بما يقتضيه الإيمان منهم وهو الاستجابة لله وللرسول، أي: الانقياد لما أمرا به والمبادرة إلى ذلك والدعوة إليه، والاجتناب لما نهيا عنه، والانكفاف عنه والنهي عنه.
    وقوله: "إذا دعاكم لما يحييكم" وصف ملازم لكل ما دعا الله ورسوله إليه، وبيان لفائدته وحكمته، فإن حياة القلب والروح بعبودية الله تعالى ولزوم طاعته وطاعة رسوله على الدوام.
    ثم حذر عن عدم الاستجابة لله وللرسول فقال: "واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه" فإياكم أن تردوا أمر الله أول ما يأتيكم، فيحال بينكم وبينه إذا أردتموه بعد ذلك، وتختلف قلوبكم، فإن الله يحول بين المرء وقلبه، يقلب القلوب حيث شاء ويصرفها أنى شاء.
    فليكثر العبد من قول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يا مصرف القلوب، اصرف قلبي إلى طاعتك.
    "وأنه إليه تحشرون" أي: تجمعون ليوم لا ريب فيه، فيجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بعصيانه.

    وبهذا التفسير يتضح لنا أن الإنسان إذا تهاون بامتثال أمر الله ورسوله وتجرأ على فعل ما نهى الله ورسوله عنه: فإنه يُبْتَلى بالحيلولة بينه وبين فعل المأمور به، فيكون ذلك ذنباً عظيماً، وبالتخلية بينه وبين فعل المنهي عنه فيكون ذلك ذنباً.

    أَضِفْ إلى ذلك ما يكون في النفس من آفات وأمراض لا يداويها إلا اكتشاف الإنسان حقيقة نفسه عندما يحرمه الله من توفيقه وعصمته، فيعلم عند وقوعه في الذنب خطورة ما كان عليه من إعجابه بنفسه واحتقاره للمُبْتَلَيْنَ بفعل الذنوب، وعدم تفريقه بين ما يجب عليه من أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وبين الشفقة عليهم والتوجع لهم بسبب ما يفوتهم من الخير لتركهم ما يجب عليهم فعله وفعلهم ما يجب عليهم تركه.

    فإذا كان المبتلى بالوقوع في الذنب من الموفقين للاعتبار والتبصر والتذكر والنظر والتأمل والتدبر: فسيكون ذنبه سبباً لتوبةً ترفعه فوق مكانته التي كان فيها قبل فعل الذنب، وأما إذا ساءت حاله بعد فعل الذنب وكانت توبته ناقصةً ضعيفةً: فإنه لن يرجع حتى إلى مكانته قبل الذنب، وعليه في تلك الحالة أن يبحث في أسباب تأخير ولادة قلبه.

    والآن تعالوا إلى ما ذكره ابن القيم من فوائد الابتلاء بالوقوع في الذنوب وما أذكره بعد كل فائدة من بيان وشرح:--

    1- أحدها: أنه يحب التوابين ويفرح بتوبتهم، فلمحبته للتوبة وفرحه بها قضى على عبده بالذنب ثم إذا كان ممن سبقت له العناية قضى له بالتوبة.

    قال الله تعالى: "إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين" البقرة 222.
    وثبت في الصحيحين من حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه، من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته.
    فبينا هو كذلك إذا هو بها، قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم! أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح" البخاري برقم: "6309" ومسلم برقم: "2747" واللفظ لمسلم.

    فالتوبة سبب عظيم من أسباب نيل محبة الله، ولا يمكن تحصيل هذا السبب إلا بتناول هذا الدواء الشديد المرارة، ولكن عاقبته أحلى من العسل لمن سبقت لهم عناية الله.

    2- الثاني: تعريف العبد عزة الله سبحانه في قضائه ونفوذ مشيئته وجريان حكمه.

    إذا وقع العبد في الذنب -وقد كان يستبعد ذلك من نفسه- عرف معنى كون الله عزيزاً، ماضياً قضاؤه ولا مَرَّدَ له، جارياً حكمه ولا مُعَّقِبَ له، فاستكان وتذلل له، واعتمد عليه بخالص قلبه في دوام ثباته واجتناب معصيته، وتعلق بفضله ورحمته، وأكثر من دعائه والتضرع إليه على مدى الأوقات، والتبرئ من حوله وقوته إلى الالتجاء إليه والفرار إليه سبحانه.

    3- الثالث: تعريفه حاجته إلى حفظه وصيانته وأنه إن لم يحفظه ويصنه فهو هالك ولا بد والشياطين قد مدت أيديها إليه تمزقه كل ممزق.

    يعرف العبد بالوقوع في الذنب أن الذي كان يحول بينه وبين الشياطين الداعية له إلى المعاصي: هو الله الحافظ الكريم، فيزداد اعتصاماً به سبحانه.

    4- الرابع: استجلابه من العبد استعانته به واستعاذته به من عدوه وشر نفسه ودعائه والتضرع إليه والابتهال بين يديه.

    ويعرف العبد بعد الوقوع في الذنب أن هناك عبادات لم يكن يعطيها حقها من العناية، كالاستعانة بالله والاسعاذة به سبحانه من عدوه الشيطان ومن شر نفسه، والتضرع والالتجاء إليه سبحانه كل حين، فينتبه لأهمية تلك العبادات ولا يقصر في القيام بها.

    5- الخامس: إرادته من عبده تكميل مقام الذل والإنكسار فإنه متى شهد صلاحه واستقامته شمخ بأنفه وظن أنه وأنه فإذا ابتلاه بالذنب تصاغرت عنده نفسه وذل وتيقن وتمنى أنه وأنه.

    قد يكون في الإنسان عُجْبٌ وتعاظمٌ لا يخلصه منه ويقوده إلى الانكسار والذل بين يدي ربه إلا الابتلاء بالذنب، فإذا أذنب صَغُرَتْ نفسه في عينه وتواضع لربه.

    6- السادس: تعريفه بحقيقة نفسه وأنها الخطاءة الجاهلة وأن كل ما فيها من علم أو عمل أو خير فمن الله مَّنَ به عليه لا من نفسه.

    الذنب يعرف العبد حقيقة نفسه، وأنها معيبةٌ ناقصةٌ، وأن أي كمال حصل له فهو من فضل الله الكريم المنان لا من نفسه.

    7- السابع: تعريفه عبده سعة حلمه وكرمه في ستره عليه فإنه لو شاء لعاجله على الذنب ولهتكه بين عباده فلم يصف له معهم عيش.

    ينتقل العبد بالوقوع في الذنب بالنسبة لصفات الله تعالى من الخبر إلى المعاينة، فبعد أن كان يحفظ أن من صفات الله تعالى الحِلْم والكرم: إذا هو يعاين بنفسه وبالتجربة التي لا يخالجها شكٌ، أن ربه سبحانه واسع الحلم والكرم حيث لم يعاجله بالعقوبة على ذنبه، ولم يُطْلِعْ خَلْقَهُ على ذلك الذنب لِأَّلا تزول وجاهته بين الناس فيهون عليهم ويزول صفو العيش بينهم ويصير نَكِداً مريرا.
    فما أوسع حلم الله تعالى وكرمه في الستر على عباده.

    8- الثامن: تعريفه أنه لا طريق إلى النجاة إلا بعفوه ومغفرته.

    وهذا واضح.

    9- التاسع: تعريفه كرمه في قبول توبته ومغفرته له على ظلمه وإساءته.

    هذا شيء آخر غير التوفيق للتوبة، فإن العبد يعرف عظيم كرم ربه حين قَبِلَ منه توبته وغفر له ذنبه بالرغم من ظلمه لنفسه وللخلق وبالرغم من إساءته بفعل الذنب.
    ويعرف العبد الفرق الشاسع والبون البعيد بين عظيم كرم الله وبين كرم من يبالغ في وصفهم بالكرم من الخلق الذين لا يغفرون له ذنباً واحداً مهما أحسن إليهم قبله، بينما الرب عز وجل وهو دائم الإحسان إلى عبده يتابع عليه نِعَمَهُ والعبد يقابل ذلك بالذنوب المتوالية، لكنه إذا قال: رَّبِ إني أذنبتُ ذنباً فاغفره لي: قال الله تعالى كما ورد في الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "عَلِمَ عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرتُ لعبدي" البخاري برقم: "7507" ومسلم برقم: "2758".

    10- العاشر: إقامة الحجة على عبده فإن له عليه الحجة البالغة فإن عذبه فبعدله وببعض حقه عليه بل باليسير منه.

    واضح.

    11- الحادي عشر: أن يعامل عباده في إساءتهم إليه وزلاتهم معه بما يحب أن يعامله الله به فإن الجزاء من جنس العمل فيعمل في ذنوب الخلق معه ما يحب أن يصنعه الله بذنوبه.

    هذه فائدة عظيمة فَقِفوا معها ولا تفوتوها بدون تأمل.

    12- الثاني عشر: أن يقيم معاذير الخلائق وتتسع رحمته لهم مع إقامة أمر الله فيهم فيقيم أمره فيهم رحمة لهم لا قسوة وفظاظة عليهم.

    ذكرتُ ذلك في المقدمة.

    13- الثالث عشر: أن يخلع صولة الطاعة والإحسان من قلبه فتتبدل برقة ورأفة ورحمة.

    ذكرتُ ذلك أيضاً في ما سبق.

    14- الرابع عشر: أن يعريه من رداءة العجب بعمله كما قال النبي "لو لم تذنبوا لخفت عليكم ما هو أشد منه العجب" أو كما قال.

    هذا الحديث أخرجه العقيلي وابن عدي والقضاعي في مسند الشهاب وقال المنذري أخرجه البزار بإسناد جيد، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم: "658"، ونصه: "لو لم تكونوا تذنبون خَشِيْتُ عليكم أكثر من ذلك، العُجْب".

    15- الخامس عشر: أن يعريه من لباس الإدلال الذي يصلح للملوك ويُلْبِسه لباس الذل الذي لا يليق بالعبد سواه.

    سبق بيانه.

    16- السادس عشر: أن يستخرج من قلبه عبوديته بالخوف والخشية وتوابعهما من البكاء والإشفاق والندم.

    كما ذكرتُ سابقاً أن من فوائد الذنوب أن ينتبه العبد لعبادات الاستعانة ونحوها، فكذلك من الفوائد أن تقوم بالقلب عبودية الخوف الذي هو مجرد انزعاج القلب، والخشية التي هي خوف مقرون بتعظيم، وتوابع ذلك من البكاء الذي هو من أعظم وأوضح دلائل صحة قيام هذه العبوديات بالقلب، وصدق العبد في الاتصاف بها، بالإضافة إلى الإشفاق وهو الحذر من عواقب الذنوب، مع الندم على التفريط.

    17- السابع عشر: أن يعرف مقداره مع معافاته وفضله في توفيقه وعصمته فإن من تربى في العافية لا يعرف ما يقاسيه المبتلى ولا يعرف مقدار العافية.

    الزائد على ما سبق هنا هو: معرفة قدر نعمة العافية على َوجه العموم، ومن الوقوع في الذنوب على وجه الخصوص.

    18- الثامن عشر: أن يستخرج منه محبته وشكره لربه إذا تاب إليه ورجع إليه فإن الله يحبه ويوجب له بهذه التوبة مزيد محبة وشكر ورضا لا يحصل بدون التوبة وإن كان يحصل بغيرها من الطاعات أثر آخر لكن هذا الأثر الخاص لا يحصل إلا بالتوبة.

    يزداد حب العبد لربه وشكره له لتوفيقه سبحانه له إلى التوبة وقبولها منه.

    19- التاسع عشر: أنه إذا شهد إساءته وظلمه استكثر القليل من نعمة الله لعلمه بأن الواصل إليه
    منها كثير على مسيئ مثله فاستقل الكثير من عمله لعلمه بأن الذي يصلح له أن يغسل به نجاسته وذنوبه أضعاف أضعاف ما يفعله، فهو دائما مستقل لعمله كائنا ما كان.
    ولو لم يكن في فوائد الذنب وحكمه إلا هذا وحده لكان كافيا.

    احفظوا -بارك الله فيكم- هذه الفائدة والحكمة "19"، خصوصاً بعد تزكية ابن القيم لها وقوله إنه لو لم يكن في فوائد الابتلاء بالذنوب غيرها: لكانت كافية.
    ولكن: ما هي هذه الفائدة؟ أن ترى نِعَمَ الله عليك كثيرةً مهما قَّلَت، لأن المسيئ -وكلنا مسيئ- لا يستحق أن يُنْعَمَ عليه أصلاً، فكيف يتجرأ على أن يقول: هذا قليل، وكنتُ أستحق أكثر من ذلك؟!.
    وأن ترى أعمالك مهما كَثُرَتْ قليلةً بالقياس إلى ما تستوجبه ذنوبك من المكفرات.

    20- العشرون: أنه يوجب له التيقظ والحذر من مصايد العدو ومكايده ويعرفه من أين يدخل عليه وبماذا يحذر منه، كالطبيب الذي ذاق المرض والدواء.

    من فوائد الذنوب: معرفة الثغرة التي كانت حراستها ضعيفةً من بين ثغرات النفس، فدخل منها الشيطان فأغراها بالذنب وزينه لها، فيعتني بتقوية النقاط التي فيها ضعفٌ والتي منها يدخل الشيطان عليه.

    21- الحادي والعشرون: أن مثل هذا ينتفع به المرضى لمعرفته بأمراضهم وأدوائها.

    أي: الذي وقع في ذنب معين ينفع الناس في تحذيرهم من ذلك الذنب لأنه يكلمهم فيه عن علم وخبرةٍ وتجربةٍ لا عن مجرد حفظ أو نقل.

    22- الثاني والعشرون: أنه يرفع عنه حجاب الدعوى ويفتح له طريق الفاقة فإنه لا حجاب أغلظ من الدعوى ولا طريق أقرب من العبودية، فإن دوام الفقر إلى الله مع التخليط خير من الصفاء مع العجب.

    سبق الكلام على مثل ذلك.

    23- الثالث والعشرون: أن تكون في القلب أمراض مزمنة لا يشعر بها فيطلب دواءها فيمن عليه اللطيف الخبير ويقضي عليه بذنب ظاهر فيجد ألم مرضه فيحتمي ويشرب الدواء النافع فتزول تلك الأمراض التي لم يكن يشعر بها، ومن لم يشعر بهذه اللطيفة فغلظ حجابه كما قيل:
    لعل عتبك محمود عواقبه، وربما صحت الأجسام بالعلل.

    البيت للمتنبي، وهو من الحِكَم التي جاءت في صورة شِعْر.

    24- الرابع والعشرون: أنه يذيقه ألم الحجاب والبعد بارتكاب الذنب ليكمل له نعمته وفرحه وسروره إذا أقبل بقلبه إليه وجمعه عليه وأقامه في طاعته فيكون التذاذه في ذلك بعد أن صدر منه ما صدر بمنزلة التذاذ الظمآن بالماء العذب الزلال والشديد الخوف بالأمن والمحب الطويل الهجر بوصل محبوبه.
    وإن لطف الرب وبره وإحسانه ليبلغ بعبده أكثر من هذا، فيا بؤس من أعرض عن معرفة ربه ومحبته.

    وهذه الكلمة الأخيرة من أهم أسباب عزمي على أن أكتب إليكم في معرفة الله عز وجل ومحبته: "فيا بُؤْسَ
    من أعرض عن معرفة الله ومحبته".

    25- الخامس والعشرون: امتحان العبد واختباره هل يصلح لعبوديته وولايته أم لا، فإنه إذا وقع الذنب سلب حلاوة الطاعة والقرب ووقع في الوحشة، فإن كان ممن يصلح اشتاقت نفسه إلى لذة تلك المعاملة فحَّنَت وأَّنَت وتضرعت واستعانت بربها ليردها إلى ما عودها من بره ولطفه، وإن ركنت عنها واستمر إعراضها ولم تَحِّن إلى عهدها الأول ومألوفها ولم تحس بضرورتها وفاقتها الشديدة إلى مراجعة قربها من ربها عُلِمَ أنها لا تصلح لله. وقد جاء هذا بعينه في أثر إلهي لا أحفظه.

    سيأتينا هذا المعنى عند الكلام قريباً -إن شاء الله- على الابتلاء والعقوبة.

    26- السادس والعشرون: أن الحكمة الإلهية اقتضت تركيب الشهوة والغضب في الإنسان أو بعضها، ولو لم يخلق فيه هذه الدواعي لم يكن إنسانا بل ملكا، فالذنب من موجبات البشرية كما أن النسيان من موجباتها، كما قال النبي "كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون" ولا يتم الابتلاء والاختبار إلا بذلك والله أعلم.

    الحديث أخرجه ابن ماجة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد حسن برقم: "4251".

    27- السابع والعشرون: أن ينسيه رؤية طاعته ويشغله برؤية ذنبه فلا يزال نصب عينيه، فإن الله إذا أراد بعبد خيرا سلب رؤية أعماله الحسنة من قلبه والإخبار بها من لسانه وشغله برؤية ذنبه فلا يزال نصب عينيه حتى يدخل الجنة، فإن ما تقبل من الأعمال رفع من القلب رؤيته ومن اللسان ذكره.
    وقال بعض السلف "إن العبد ليعمل الخطيئة فيدخل بها الجنة ويعمل الحسنة فيدخل بها النار، قالوا كيف؟ قال: يعمل الخطيئة فلا تزال نصب عينيه، إذا ذكرها ندم واستقال وتضرع إلى الله وبادر إلى محوها وانكسر وذل لربه وزال عنه عُجْبُه وكِبْره، ويعمل الحسنة فلا تزال نصب عينيه يراها ويمن بها ويعتد بها ويتكبر بها حتى يدخل النار".

    ذكر في هذه الفائدة علامة مهمةً من علامات التوفيق الذي هو من صفات أهل الجنة، والعلامة هي: التغافل عن النظر بالقلب إلى العمل الصالح وعن الإخبار عنه باللسان، وتذكر الذنب والندم عليه والحذر والإشفاق من عاقبته.

    28- الثامن والعشرون: أن شهود ذنبه وخطيئته يوجب له أن لا يرى له على أحد فضلا ولا له على أحد حقا فإنه إذا شهد عيب نفسه بفاحشة وخطأها وذنوبها لا يظن أنه خير من مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر، وإذا شهد ذلك من نفسه لم ير لها على الناس حقوقا من الإكرام يتقاضاهم إياها ويذمهم على ترك القيام بها فإنها عنده أخس قدرا
    وأقل قيمة من أن يكون لها على عباد الله حقوق يجب مراعاتها أو لها عليهم فضل يستحق أن يلزموه لأجله، فيرى أن من سلم عليه أو لقيه بوجه منبسط قد أحسن إليه وبذل له ما لا يستحقه فاستراح في نفسه واستراح الناس من عتبه وشكايته، فما أطيب عيشه وما أنعم باله وما أقر عينه، وأين هذا ممن لا يزال عاتبا على الخلق شاكيا ترك قيامهم بحقه ساخطا عليهم وهم عليه أسخط؟ فسبحان ذي الحكمة الباهرة التي بهرت عقول العالمين.

    هذه الفائدة العظيمة سبق بها شيخ الإسلام ابن تيمية تلميذَه ابن القيم، وبدأها بقوله: "العارف لا يرى لنفسه على أحد حقاً ولا يشهد له على غيره فضلاً"، فجعل من اتصف بذلك من العارفين الذين عرفوا ربهم فوصلوا إلى ذلك الخير بفضل معرفتهم لربهم.

    29- التاسع والعشرون: أنه يوجب له الإمساك عن عيوب الناس والفكر فيها فإنه في شغل بعيبه ونفسه، وطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس وويل لمن نسي عيبه وتفرغ لعيوب الناس، فالأول علامة السعادة والثاني علامة الشقاوة.

    هذه فائدة مهمة فالزمها.

    30- الثلاثون: أنه يوجب له الإحسان إلى الناس والاستغفار لإخوانه الخاطئين من المؤمنين، فيصير هِّجِيْراه "رب اغفر لي ولوالدي وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات"، فإنه يشهد أن إخوانه الخاطئين يصابون بمثل ما أصيب به ويحتاجون إلى مثل ما هو محتاج إليه، فكما يحب أن يستغفر له أخوه المسلم يحب أن يستغفر هو لأخيه المسلم.

    31- الحادي والثلاثون: أنه يوجب له سعة إبطائه وحلمه ومغفرته لمن أساء إليه، فإنه إذا شهد نفسه مع ربه سبحانه مسيئا خاطئا مذنبا مع فرط إحسانه إليه وبره وشدة حاجته إلى ربه وعدم استغنائه عنه طرفة عين، وهذا حاله مع ربه، فكيف يطمع أن يستقيم له الخلق ويعاملوه بمحض الإحسان وهو لم يعامل ربه بتلك المعاملة؟ وكيف يطمع أن يطيعه مملوكه وولده وزوجته في كل ما يريد وهو مع ربه ليس كذلك؟ وهذا يوجب أن يغفر لهم ويسامحهم ويعفو عنهم ويغضي عن الاستقصاء في طلب حقه قِبَلِهم.

    يا لها من فائدةٍ لو راعيناها وظهرت آثارها علينا في السلوك والتعامل مع الأقربين خصوصاً والناس عموماً: لحصل من الراحة للجميع ما لا يخطر بالبال، ولكن العجب كل العجب أن نطلب من الناس أن يستقيموا لنا مع غناهم عنا ما لم نستقمه نحن لله مع فقرنا إليه!!!.

    وفقنا الله وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، آمين.

    كتبه: سعيد شعلان.

    ابن مصر
    ابن مصر
    وسام التكريم


    الجنس : ذكر
    الابراج : الثور
    عدد الرسائل : 1394
    تاريخ الميلاد : 01/05/1978
    العمر : 46
    نقاط : 2300
    تاريخ التسجيل : 02/01/2011

    مميز رد: "فوائد الذنوب" الشيخ سعيد شعلان

    مُساهمة من طرف ابن مصر الأربعاء 26 أكتوبر - 22:48:02

    وفقنا الله وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، آمين.
    هذا موضوع مهم لمن اراد ان يتوب شكر خاص لكاتب المو ضوع

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين 6 مايو - 17:33:09