فجأة أصبح السلفيون حديث الصباح والمساء وملء السمع
والبصر. البعض يتعامل معهم باعتبارهم كائنا غريبا يجب طرده من المجتمع,
في حين أن وجودهم يتجاوز عمر الدولة المصرية الحديثة. والبعض الآخر
ينهال عليهم تقريعا وتقريظا.
والبصر. البعض يتعامل معهم باعتبارهم كائنا غريبا يجب طرده من المجتمع,
في حين أن وجودهم يتجاوز عمر الدولة المصرية الحديثة. والبعض الآخر
ينهال عليهم تقريعا وتقريظا.
, بسبب إقدام عدد منهم علي تصرفات كادت تشعل الفتنة وتؤجج الخلافات.
وهناك فئة ثالثة تنظر للمسألة علي أنها جزء من الحراك العام في مصر, بعد
فترة طويلة من الخمول والعزوف والركود.
السلفيون احتلوا جوانب ظاهرة
في المشهدين الإعلامي والسياسي, أثارت شكوك قطاعات عريضة في المجتمع.
واتخذها البعض ذريعة لسن السكاكين, رغبة في الإقصاء والنفي. بينما رأي
آخرون فيها فرصة لاستيعابهم داخل أطر الدولة المدنية, علي حساب
الدينية, خاصة أن هناك تلميحات جاءت من بعض القيادات السلفية, أشارت
إلي اتجاه كبير نحو المشاركة السياسية, وفقا للقواعد الحالية. فأحدهم
أعرب عن الميل لتشكيل حزب سياسي, تكون الدعوة السلفية في الاسكندرية
نواته الرئيسية. وآخر فضل التفرغ للدعوة الدينية علي الترشيح لرئاسة
الجمهورية, أملا في إعطاء فرصة لمن هو أصلح لهذا المنصب من داخل
السلفيين أو من خارجهم. بمعني أن هناك قبولا بقواعد اللعبة السياسية
التقليدية والابتعاد الحالي له أسباب تكتيكية, تراعي معطيات اللحظة
الراهنة ومتطلباتها المدنية.
لتصدر المشهد أسباب ودوافع, تعود إلي
التباين الملحوظ عند المنتمين إلي التيار السلفي عموما. فمن الصعوبة
حصره في جماعة بعينها ولا يمكن القطع بتمركز عناصره في مكان محدد. كما
أن قماشة السلفية تتسع وتضيق, وتزداد وتتراجع, حسب زاوية الرؤية التي
يتم النظر منها. وقد أدي تنوع الأسماء وتعدد المشارب واختلاف الاجتهادات
إلي ما يشبه الارتباك في صفوف التيار العريض. ففي الوقت الذي حرم فيه
البعض المظاهرات والاحتجاجات, أجازها آخرون وحضوا علي المشاركة فيها.
وبدا دورهم مهما في أصعب لحظات الثورة, مثل يوم موقعة الجمل. لكن هذا
الموقف لم يشفع لهذا التيار مداراة ارتباكه في لحظات أخري سابقة ولاحقة.
الارتباك
الذي رآه كثيرون في تحركات السلفيين, عكس وجها برجماتيا لم يكن معروفا
لكثيرين. فالنظام السابق الذي أغلق عددا من محطات السلفية الفضائية,
فتح قنواته الرسمية لكبار الدعاة من السلفيين, لوقف زحف المظاهرات
والتحريض علي الثورة. وبدا الشيخ محمد حسان والشيخ محمد يعقوب والمستنير
عمرو خالد وغيرهم وكأنهم أدوات في أيدي هذا النظام لمحاربة معارضيه من
الوطنيين. الأمر الذي استحضر في الأذهان علي الفور ما تردد منذ فترة
طويلة حول وجود علاقة قوية بين أجهزة الأمن وبعض أطياف التيار السلفي,
لضرب الإخوان المسلمين وتحجيم تمددهم السياسي تارة, وزيادة حدة
الاستقطاب في المجتمع لتحقيق أهداف سياسية معينة تارة أخري. فعندما يشتد
غضب الأمن علي الكنيسة مثلا, تترك الفرصة لبعض غلاة السلفية للتعبير عن
أنفسهم بوسائل مختلفة, منها ما يستهدف المسيحيين بالكلام مباشرة,
ومنها ما يشير إلي امكانية اطلاق غول التطرف في المجتمع.
بعض الأحداث
النوعية التي وقعت خلال الفترة الماضية, ساعدت علي لفت الانتباه إلي
السلفيين. وسواء كان هناك من تعمد ذلك أو جاء نتيجة خطأ في الحسابات
والتقديرات, فالنتيجة واحدة. وهي أن السلفيين رقم مهم( بايجابياته
وسلبياته) في المعادلة الجديدة, من الصعوبة تجاهله عند تحديد ملامح
الخريطة السياسية المتوقعة. وظهرت تجليات المسألة في خروج مظاهرة مفاجئة
أمام مجلس الوزراء عنوانها العريض الافراج عن كاميليا وأخواتها,
وتفاصيلها أن أحد( أو أكثر) أجنحة التيار السلفي عازم علي المضي في
المواجهة مع الأقباط لأبعد مدي. المثير أن الدكتور عصام شرف رئيس
الوزراء استقبل عددا من المتظاهرين أمام مجلسه ووعدهم بــ الاستجابة
لمطلبهم. ولا يعني ذلك اتهاما لرجل درج علي لقاء جميع فئات المجتمع,
لكنه يشير إلي أن السلفيين بدأوا يقبضو علي زمام المبادرة في مواقف كثيرة
وباستخدام أدوات متعددة. كما أن حديث الشيخ محمد حسين يعقوب عما وصفه بـ
غزوة الصناديق, صب الزيت علي نار الفتنة, وأكد قبول السلفيين بلعبة
الصناديق( الانتخابات) التي قاطعوها في أوقات سابقة. وعندما وقع حادث
قطع أذن قبطي, بدا أن هناك أهدافا من وراء تسليط الأضواء علي تحركات
السلفيين ومحاولة تضخيمها, لارسال إشارات في اتجاهات مختلفة.
الواضح
أن اتساع هوامش الحرية ساهم في إعادة اكتشاف السلفيين, الذين نأوا
ترهيبا أو ترغيبا عن الظهور في المشهد السياسي. فقد غلت الآن يد الأمن
التي كانت تقبض من حديد علي العناصر الحركية في التيار السلفي. وشلت
اليد ذاتها التي كانت تتحكم في ترمومتر الظهور والاختفاء, لتوصيل رسائل
لقوي في الداخل وجهات في الخارج. وكانت الإشارة اللامعة لهذا السيناريو
بروز ما يطلق عليه بالعشوائية في التصورات, والفوضي في التصرفات,
والتي جعلت كثيرا من الأتباع والمريدين في عين العاصفة السياسية. الأمر
الذي يحاول البعض الاستفادة منه لإجهاد الثورة وإدخالها في قضايا فرعية,
وقد فتح التركيز الاعلامي علي شخصيات وقيادات سلفية الباب لتعزيز أسباب
الهلع لدي قوي مختلفة, أصبحت علي درجة عالية من الاستنفار, خوفا علي
المكاسب التي حققتها الثورة, وخشية الانحراف عن مباديء وقيم الدولة
المدنية التي تمثل نواة الإجماع من قبل معظم القوي السياسية.
الواقع
أن قطاعا كبيرا وسط السلفيين يري أن هناك فرصة دعوية لمزيد من الانتشار,
في ظل كسر المحرمات وفك القيود التي كبلت حركتهم طوال السنوات الماضية.
وهذه الفرصة تجد دعمها في استعداد فئة عريضة من المسلمين لتقبل أفكار
السلفيين. ففي معظم الأوقات تبدو الفترة التالية لاندلاع الثورات تميل
ناحية التشدد, والبحث عن هوية, حبذا لو كانت دينية, عند فقدان
الاتزان في البوصلة العامة. من هنا يخشي البعض من توظيف السلفيين حالة
انعدام الوزن الراهنة( المؤقتة) لأغراض سياسية. وهو ما تدلل عليه
التوجهات الرامية للمشاركة في الاستحقاقات الانتخابية القادمة. ورغم
تأكيد بعض الرموز أن السلفية ليست حزبا ولا جماعة, غير أن الاتجاه يسير
نحو تشكيل بضعة أحزاب سياسية. بمعني آخر سيستخدم السلفيون الأداتين
الدعوية والسياسية, للوصول إلي شرائح مختلفة في المجتمع ودغدغة مشاعرها
بخطاب ديني له جاذبية وسحر عند البسطاء. وعلي هذا المنوال سيؤدي صعود
السلفية, إلي ميل المجتمع نحو مزيد من التعصب والاستقطاب. فصعودهم سوف
يثير حنق بعض القوي السياسية والدينية, بصورة قد يستفيد منها أنصار
الثورة المضادة.