حملة هولاكو من 651 ـ 656هـ:
بعد انهيار الدولة الخوارزمية اتسعت حدود الدولة التترية غرباً حتى توقفت على حدود أراضي الطائفة الإسماعيلية في إيران.
وفي عام 651هـ تحرك المغول بقوات كبيرة ومعدات ضخمة نحو المغرب لغزو
الأراضي الإسماعيلية والخلافة في بغداد، وكانت هذه الحملة العسكرية بقيادة
هولاكو بن جنكيز خان، فعبروا الأرضي التركستانية ثم ساروا إلى بلاد ما وراء
النهر. وكانوا يسيرون سيراً بطيئاً ويتوقفون كثيراً، نظراً لضخامة أعدادهم
وثقل معداتهم.
وبعد سنتين أي في عام 653هـ وصل هولاكو وجيشه إلى بلاد
ما وراء النهر، وهناك أرسل هولاكو إلى الخليفة المستعصم ببغداد يدعو فيها
الخليفة إلى الاستسلام دون قيد أو شرط، فإن أجاب واستسلم فعليه أن يرسل
قوات بغدادية لتنظم إلى التتار لقتال الإسماعيلية.
ومما جاء في نص
الرسالة من التهديد أنه قال: "فإذا فعلت ذلك فإن موافقتَكم ستحمد،
وخدماتِكم سوف تقدر جيداً، ولسوف تبقى لكم أراضيكم وأسلحتكم، ولكنكم إذا
تهاونتم في امتثال الأوامر، ولم تبدِ احتراماً للغرض الذي طالبَتْكم به هذه
الرسالة فإننا عندما نفرغ من أمر الملاحدة (يعني الإسماعيلية) سنعود
ونتوجه إليكم، وسيقع عليكم وعلى أراضيكم ومساكنكم ما سبق وجرى عليهم".
وصلت الرسالة إلى بغداد، فرد عليها الخليفة برسالة اعتذار عن عدم إرسال الجنود وبعث إلى هولاكو بعض الهدايا.
وهذه الرسالة تدل على أمرين:
الأول: الضعف والهوان الكبير الذي حل بالخلافة العباسية.
الثاني: أن غزو التتار للبلاد الإسلامية لم يكن مفاجئاً بل كانت إرهاصاته
ومؤشراته واضحة المعالم كما في هذه الرسالة التي وصلت إلى الخليفة قبل سقوط
بغداد بأكثر من سنتين، ومع هذا لم تكن استعدادات بغداد الهزيلة خلال
السنتين بحجم هذا الخطر العظيم.
حال الخلافة في بغداد قبل السقوط
كان يتعاقب علىحكم المسلمين في العراق خلفاء من بني العباس.. حملوا الاسم
العظيم الجليل "الخليفة"، ولكنهم (في هذه الفترة من القرن السابع الهجري)
ما اتصفوا بهذا الاسم أبداً، ولا رغبوا أصلاً في الاتصاف به؛ فلم يكن لهم
من همّ إلا جمع المال، وتوطيد أركان السلطان في هذه الرقعة المحدودة من
الأرض.. ولم ينظروا نظرة صحيحة أبداً إلى وظيفتهم كحكام.. لم يدركوا أن من
مسؤولية الحاكم أن يوفر الأمان لدولته، ويقوي من جيشها، ويرفع مستوى
المعيشة لأفراد شعبه، ويحكم في المظالم، ويرد الحقوق لأهلها، ويجير
المظلومين، ويعاقب الظالمين، ويقيم حق الله عز وجل على العباد، ويأمر
بالمعروف وينهى عن المنكر، ويدافع عن كل ما يتعلق بالإسلام، ويوحد الصفوف
والقلوب.
لم يدركوا هذه المهام الجليلة للحاكم المسلم، كل ما كانوا
يريدونه فقط هو البقاء أطول فترة ممكنة في كرسي الحكم، وتوريث الحكم
لأبنائهم، وتمكين أفراد عائلتهم من رقاب الناس، وكذلك كانوا يحرصون على جمع
الأموال الكثيرة، والتحف النادرة، ويحرصون على إقامة الحفلات الساهرة،
وسماع الأغاني والموسيقى والإسراف في اللهو والطرب.
حياة الحكام كانت
حياة لا تصلح أن تكون لفرد من عوام أمة الإسلام فضلاً عن أن تكون لحاكم أمة
الإسلام.. لقد ضاعت هيبة الخلافة، وتضاءلت طموحات الخليفة، حسب تعبير
الدكتور راغب السرجاني.
كانت الخلافة العباسية في بغداد تعاني من الضعف الشديد على مختلف الجوانب السياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية.
أما من حيث الجانب السياسي: فقد أقفل الخلفاء العباسيون على أنفسهم أبواب
القصور، وأحاطوها بالحرس، وأصبحت مقابلة الخليفة أمراً بالغ الصعوبة للخاصة
قبل عامة الناس، وكان الخليفة يعيش في عزلة عن الناس، حتى إن المستنصر
والد المستعصم لما مات لم يدر أحد من الناس ولا أهلِ بيته بموته يومين
كاملين سوى الحاشية الذين نصبوا ولده المستعصم.
وشهدت هذه الفترة
تسلطاً من الحاشية ورجال البلاط، لدرجة أنهم هم الذين اختاروا الخليفة
المستعصم لما مات أبوه ونصبوه في الخلافة، ولما اختير للخلافة اعترض بعض
أقاربه لعلمهم بضعفه وعدم كفاءته، لكن الوزراء والحاشية أجبروهم على
البيعة، وسجنوا من امتنع منهم وحبسوا منهم الطعام والشراب حتى بايعوه
مكرهين.
وكان الخليفة المستعصم ضعيفاً قليل الخبرة بأمور الملك، وكان زمانه ينقضي بسماع الأغاني والتفرج على الأمور التافهة.
وأما من حيث الجانب العسكري: فقد كان للوزير الرافضي ابن العلقمي دور كبير
في تقليص عدد الجيش وإهماله بحجة توفير الأموال لخزينة الدولة، حتى صار
الجيش في عهد المستعصم عشرة آلاف، بعد أن بلغ المائة ألف في عهد والده
المستنصر.
أما من حيث الجانب الاجتماعي: فقد شهد المجتمع العديد من
الثورات والنزاعات الطائفية الداخلية، وصل بعضها إلى القتال المسلح وسفك
الدماء بسبب وجود الرافضة في بغداد وممالأة الوزير ابن العلقمي لهم، مما
أضعف بنية المجتمع، وأدى إلى وقوع خيانات مختلفة ضد الخليفة.
وأما
الجانب الاقتصادي: فقد شهد عصر المستعصم أعنف الكوارث الطبيعية التي لم
تشهد مثلها الخلافة العباسية، فكثرت الفيضانات التي أتلفت المحاصيل،
وارتفعت الأسعار وتعذرت الأقوات، مما أدى إلى ضعف الحكم في البلاد.
بعد انهيار الدولة الخوارزمية اتسعت حدود الدولة التترية غرباً حتى توقفت على حدود أراضي الطائفة الإسماعيلية في إيران.
وفي عام 651هـ تحرك المغول بقوات كبيرة ومعدات ضخمة نحو المغرب لغزو
الأراضي الإسماعيلية والخلافة في بغداد، وكانت هذه الحملة العسكرية بقيادة
هولاكو بن جنكيز خان، فعبروا الأرضي التركستانية ثم ساروا إلى بلاد ما وراء
النهر. وكانوا يسيرون سيراً بطيئاً ويتوقفون كثيراً، نظراً لضخامة أعدادهم
وثقل معداتهم.
وبعد سنتين أي في عام 653هـ وصل هولاكو وجيشه إلى بلاد
ما وراء النهر، وهناك أرسل هولاكو إلى الخليفة المستعصم ببغداد يدعو فيها
الخليفة إلى الاستسلام دون قيد أو شرط، فإن أجاب واستسلم فعليه أن يرسل
قوات بغدادية لتنظم إلى التتار لقتال الإسماعيلية.
ومما جاء في نص
الرسالة من التهديد أنه قال: "فإذا فعلت ذلك فإن موافقتَكم ستحمد،
وخدماتِكم سوف تقدر جيداً، ولسوف تبقى لكم أراضيكم وأسلحتكم، ولكنكم إذا
تهاونتم في امتثال الأوامر، ولم تبدِ احتراماً للغرض الذي طالبَتْكم به هذه
الرسالة فإننا عندما نفرغ من أمر الملاحدة (يعني الإسماعيلية) سنعود
ونتوجه إليكم، وسيقع عليكم وعلى أراضيكم ومساكنكم ما سبق وجرى عليهم".
وصلت الرسالة إلى بغداد، فرد عليها الخليفة برسالة اعتذار عن عدم إرسال الجنود وبعث إلى هولاكو بعض الهدايا.
وهذه الرسالة تدل على أمرين:
الأول: الضعف والهوان الكبير الذي حل بالخلافة العباسية.
الثاني: أن غزو التتار للبلاد الإسلامية لم يكن مفاجئاً بل كانت إرهاصاته
ومؤشراته واضحة المعالم كما في هذه الرسالة التي وصلت إلى الخليفة قبل سقوط
بغداد بأكثر من سنتين، ومع هذا لم تكن استعدادات بغداد الهزيلة خلال
السنتين بحجم هذا الخطر العظيم.
حال الخلافة في بغداد قبل السقوط
كان يتعاقب علىحكم المسلمين في العراق خلفاء من بني العباس.. حملوا الاسم
العظيم الجليل "الخليفة"، ولكنهم (في هذه الفترة من القرن السابع الهجري)
ما اتصفوا بهذا الاسم أبداً، ولا رغبوا أصلاً في الاتصاف به؛ فلم يكن لهم
من همّ إلا جمع المال، وتوطيد أركان السلطان في هذه الرقعة المحدودة من
الأرض.. ولم ينظروا نظرة صحيحة أبداً إلى وظيفتهم كحكام.. لم يدركوا أن من
مسؤولية الحاكم أن يوفر الأمان لدولته، ويقوي من جيشها، ويرفع مستوى
المعيشة لأفراد شعبه، ويحكم في المظالم، ويرد الحقوق لأهلها، ويجير
المظلومين، ويعاقب الظالمين، ويقيم حق الله عز وجل على العباد، ويأمر
بالمعروف وينهى عن المنكر، ويدافع عن كل ما يتعلق بالإسلام، ويوحد الصفوف
والقلوب.
لم يدركوا هذه المهام الجليلة للحاكم المسلم، كل ما كانوا
يريدونه فقط هو البقاء أطول فترة ممكنة في كرسي الحكم، وتوريث الحكم
لأبنائهم، وتمكين أفراد عائلتهم من رقاب الناس، وكذلك كانوا يحرصون على جمع
الأموال الكثيرة، والتحف النادرة، ويحرصون على إقامة الحفلات الساهرة،
وسماع الأغاني والموسيقى والإسراف في اللهو والطرب.
حياة الحكام كانت
حياة لا تصلح أن تكون لفرد من عوام أمة الإسلام فضلاً عن أن تكون لحاكم أمة
الإسلام.. لقد ضاعت هيبة الخلافة، وتضاءلت طموحات الخليفة، حسب تعبير
الدكتور راغب السرجاني.
كانت الخلافة العباسية في بغداد تعاني من الضعف الشديد على مختلف الجوانب السياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية.
أما من حيث الجانب السياسي: فقد أقفل الخلفاء العباسيون على أنفسهم أبواب
القصور، وأحاطوها بالحرس، وأصبحت مقابلة الخليفة أمراً بالغ الصعوبة للخاصة
قبل عامة الناس، وكان الخليفة يعيش في عزلة عن الناس، حتى إن المستنصر
والد المستعصم لما مات لم يدر أحد من الناس ولا أهلِ بيته بموته يومين
كاملين سوى الحاشية الذين نصبوا ولده المستعصم.
وشهدت هذه الفترة
تسلطاً من الحاشية ورجال البلاط، لدرجة أنهم هم الذين اختاروا الخليفة
المستعصم لما مات أبوه ونصبوه في الخلافة، ولما اختير للخلافة اعترض بعض
أقاربه لعلمهم بضعفه وعدم كفاءته، لكن الوزراء والحاشية أجبروهم على
البيعة، وسجنوا من امتنع منهم وحبسوا منهم الطعام والشراب حتى بايعوه
مكرهين.
وكان الخليفة المستعصم ضعيفاً قليل الخبرة بأمور الملك، وكان زمانه ينقضي بسماع الأغاني والتفرج على الأمور التافهة.
وأما من حيث الجانب العسكري: فقد كان للوزير الرافضي ابن العلقمي دور كبير
في تقليص عدد الجيش وإهماله بحجة توفير الأموال لخزينة الدولة، حتى صار
الجيش في عهد المستعصم عشرة آلاف، بعد أن بلغ المائة ألف في عهد والده
المستنصر.
أما من حيث الجانب الاجتماعي: فقد شهد المجتمع العديد من
الثورات والنزاعات الطائفية الداخلية، وصل بعضها إلى القتال المسلح وسفك
الدماء بسبب وجود الرافضة في بغداد وممالأة الوزير ابن العلقمي لهم، مما
أضعف بنية المجتمع، وأدى إلى وقوع خيانات مختلفة ضد الخليفة.
وأما
الجانب الاقتصادي: فقد شهد عصر المستعصم أعنف الكوارث الطبيعية التي لم
تشهد مثلها الخلافة العباسية، فكثرت الفيضانات التي أتلفت المحاصيل،
وارتفعت الأسعار وتعذرت الأقوات، مما أدى إلى ضعف الحكم في البلاد.