تهنئـة ودعـاء
بشهـر رمضـان
المعظـم 1433 هـ - 2012
م
بشهـر رمضـان
المعظـم 1433 هـ - 2012
م
الشـريف دكتـور مهنـدس / علـى مهـران هشــام
الحمد لله
رب العالمين والذى بنعمه وفضله بلغنا شهر شعبان والدعاء من الرب الكريم أن يبلغنا
رمضان برحمته وعفوه . اللهم أعنا على صيام رمضان وقيامه وقراءة القرآن العظيم.
وبهذه المناسبة الفضيلة والكريمة , فإنه يطيب لى
وكلى أمتنان وسعادة غامرة أن أتقدم لأهلى وأبناء وطنى فى مصـــر وسائر بلاد العرب
والمسلمين وإلى الأمة الانسانية جمعاء , بأذكى آيات المحبة والسلام والود والإخاء
والتسامح والرضا , وذلك بحلول شهر رمضان المعظم وأن يجعله الله أيام توبة ورحمة ومغفرة وألفة وتعاون فى البر والتقوى وأن يسود العالم
الأمن والطمأنينة والوئام وكل عام وحضراتكم جميعا بكل خير وإيمان , وعساكم من
عواده.
على
الجانب الآخر, فدعونا نستلهم من الكرم والروحانيات الرمضانية بعض اللمحات والفضائل
والقطائف الشهية من رمضان وبإيجاز غير مخل :
"شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ
فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ
مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ
..." [ البقرة : 185 [
مع هذه الأيّام تتلفَّت قلوب المؤمنين المتقين تنظر إشراقة شهر رمضان
المبارك ، لتزيح إشراقتُه الظلام الذي يحيط
بالنَّاس في الأرض ، وقد عَّمت البلوى، وامتدَّ
الهرج والمرج ، وكثرت الزلازل والبراكين والحروب والفياضانات ، وماجت دماء المجازر
، وهاجت أعاصير الفتن ، واستبدَّ الظلم والفساد والإفساد والعُدْوان .
شهر رمضان المبارك أعظم الشهور ، ففيه وقعت أعظم الأحداث وأكثرها
خيراً وبركةً على النَّاس ، على مرِّ العصور ،
مع توالي الأنبياء والمرسلين . فقد أُنزلت الكتب
الإلهيَّة على الأنبياء والمرسلين في هذا الشهر . فعن وائلة بن الأسقع أنَّ
رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قال : ( أُنزلت صحف إبراهيم في أوّل ليلة من
رمضان ، وأُنزلت التوراة لستٍّ مضين من رمضان ، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان
، وأنزل الله القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان (أخرجه الإمام أحمد )
وقد أُنزلت الصحف والتوراة والزبور والإنجيل ، كلٌّ منها أُنزل جملة
واحدة على النبيّ الذي أُنزل عليه ، وأمَّا
القرآن الكريم فقد أُنزل إلى بيت العزّة من السماء
الدنيا جملة واحدة في شهر رمضان في ليلة القدر ، ثمَّ أُنزل بعد ذلك مفرَّقاً
حسب الوقائع على رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ في ثلاث وعشرين سنة :
"إِنَّا
أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ " [ القدر : 1 [
" إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ
مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ) " الدخان : 3)
قال صلى الله عليه وسلم : ( كل عمل
ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف . يقول الله عز وجل : إلا الصيام
فإنه لي وأنا أجزي به ، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي ، للصائم فرحتان ؛ فرحة
عند فطره ، وفرحة عند لقاء ربه، و لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك )
[أخرجه البخاري ومسلم] .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( من
صام رمضان إيماناً و احتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ) [أخرجه البخاري ومسلم] .
لا شك أن هذا الثواب الجزيل لا
يكون لمن امتنع عن الطعام والشراب فقط ،
وإنما كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من لم يدع قول الزور والعمل به ، فليس
لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) [أخرجه البخاري] .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( الصوم
جنة ، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق ولا يجهل ، فإن سابه أحد فليقل
إني امرؤ صائم ) [أخرجه البخاري ومسلم] .
فإذا صمت ـ فليصم سمعك وبصرك ولسانك وجميع جوارحك ، ولا
يكن صومك ويوم فطرك سواء .
أخي الكريم .. أيام وليالي رمضان
أزمنة فاضلة فاغتنمها بالإكثار من الدعاء وبخاصة في أوقات الإجابة ومنها :
1ـ عند الإفطار ، فللصائم عند فطره دعوة لا ترد .
2ـ ثلث الليل الآخر . حين ينزل
ربنا تبارك وتعالى ويقول : ( هل من سائل فأعطيه هل من مستغفر فأغفر له ) .
3ـ
الاستغفار بالأسحار : قال تعالى : ( وبالأسحار هم يستغفرون ) .
4ـ تحري
ساعة الإجابة يوم الجمعة وأحراها آخر ساعة
من نهار يوم الجمعة .
كذلك فإن
مضاعفة صلة الرحم من المستحبات فى رمضان ,
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( من سره أن يبسط في رزقه وينسأ في أجله
فليصل رحمه ) ومعنى ينسأ أي يؤخر [رواه البخاري] .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله
عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( صلة الرحم تزيد في العمر ) حسنه
المناوي في فيض القدير
وصححه الألباني في صحيح الجامع .
إن صلة الرحم من محاسن الأخلاق
التي حث عليها الإسلام ودعا إليها وحذر من قطيعتها . فقد دعا الله عز وجل عباده
بصلة أرحامهم في تسع عشرة آية من كتابه الكريم ، وأنذر من قطع رحمه باللعن والعذاب
في ثلاث آيات . ولهذا دأب الصالحون من سلف الأمة على صلة أرحامهم رغم صعوبة وسائل
الاتصال في عصرهم . أما في وقتنا المعاصر فرغم توفر مختلف وسائل النقل والاتصال
إلا أنه لا يزال هناك تقصير في صلة الرحم ، إن أدنى الصلة أن تصل أرحامك ولو
بالسلام . روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( بلوا أرحامكم ولو بالسلام ) [حسنه الألباني في صحيح الجامع] . فالأحرى بنا في هذا الشهر الكريم أن نصل أرحامنا فإن من وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله .
عموما , لقد وقعت أحداث هامة ومعارك فاصلة في
حياة المسلمين في شهر رمضان المبارك وذلك لما له من فضل عظيم . , ففيه
كانت غزوة بدر الكبرى في السنة الثانية من الهجرة ، وفتح مكة سنة ثمان ، وأسلمت
ثقيف في رمضان بعد قدوم الرسول _صلى الله عليه وسلم_ من تبوك. وكذلك كانت
معركة بلاط الشهداء سنة 411هـ في شهر رمضان ، وكان فتح العمّوريّة في هذا الشهر
المبارك سنة 223هـ وفى العصر الحديث أنتصر الشعب المصرى والعربى
على الكيان الاسرائيلى فى العاشر من رمضان , السادس من اكتوبر 1973 م وكانت لصيحات الله
أكبر – الله أكبر والجند صائمون أكبر
الأثر فى دحر الأعداء وبث الخوف فى نفوسهم الواهية وتحقيق النصر الخالد بإذن الله.
الأحداث كثيرة في التاريخ الإسلاميّ ، تنبئ أنَّ شهر رمضان لم يكن
شهر راحة واسترخاء . لقد كان شهراً جامعاً
لأنواع الجهاد الذي شرعه الله لعباده المؤمنين . فالصيام
جهاد النفس ومجاهدتها ، وكذلك قيام الليل . ومجاهدة النفس هي أول أبواب
الجهاد في حياة المسلم ، جهاد يمتدُّ معه في حياته كلِّها وميادينه كلّها . ولذلك
كان حديث رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يرويه فضالة بن عبيد _رضي الله
عنه_ :
(المجاهد
مَنْ جَاهد نفسه في الله ) [ أخرجه أحمد والترمذي وابن حبان ]
ويمتدُّ الجهاد في شهر رمضان المبارك ليبلغ بذل المال والنفس في سبيل
الله في مجاهدة أعداء الله . فما كان شهر
رمضان معطّلاً لطاقة من طاقات المسلمين في شتَّى
الميادين ، وإنَّما كان يطلق طاقات المؤمنين على صراط مستقيم بيّنه الله لهم
وفصّله ، وجعله سبيلاً واحدة وصراطاً مستقيماً ، حتى لا يضلَّ عنه أحد إلا الكافرون
والمنافقون
.
وكان أداء الشعائر في شهر رمضان والوفاء بها ، فرائض ونوافل ، ليلاً
ونهاراً ، ينمّي طاقات المؤمنين لتنطلق في
الأرض تبلّغ دعوة الله إلى الناس كافّة، وتجاهد في سبيل
الله ، لتوفي بالأمانة التي حملها الإنسان ، والعبادة التي خُلِق لها، والخِلافة
التي جُعِلَتْ له ، والعمارة التي أُمِرَ بها ليعمر الأرض بحضارة الإيمان .شهر رمضان فرصة للعمل والاجتهاد
والإنتاج
وتحسين الخدمات وتوفير احتياجات الناس وتحقيق مصالحهم , وليس أبدا مدعاة للنوم والتكاسل والتباطؤ فى العمل بحجج
بالطبع والعدل واهية وباطلة ( مثل: إدعاءات التعب والإرهاق والخمول وحرارة الجو
وصعوبة المناخ وغيرها ) وليعلم الجميع أن
الجزاء على قدر المشقة. أما المرضى وأصحاب الأعذار الشرعية فقد رخص الله لهم
بالإفطار على أن يقضوا الأيام بعد إنقضاء الأعذار أو إطعام المساكين عن الأيام التى فطروها إن شق عليهم الصوم . الإسلام دين
يسر ورحمة ووسطية واعتدال والعبادات لراحة العباد.
لقد كان
أداء الشعائر أساساً حقيقيّاً يقوم عليه الوفاء بهذه المسؤوليات العظيمة في الأرض
، والتكاليف الربَّانيّة . كان المؤمنون يعون أنَّ تكاليف الإسلام لا تقف عند
حدود الشعائر ، ولكنَّ الشهادتين والشعائر تقيم الأركان التي ينهض عليها الإسلام.
إن ليلة
القدر وهى ليلة من ليالى رمضان والتى خير
من ألف شهر من العبادة والدعاء والتسابيح هى من فضائل وكرامات شهر رمضان المعظم .
وختاما , فالتهنئة والدعاء من العقل القلب والروح لجميع المصريين والعرب والمسلمين بهذا الشهر الكريم والسعيد
والفياض بنور العدل والحق والعبادة
والإيمان والمحبة والسلام علينا وعلي جميع
البشر على كوكب الأرض , وكل عام وأنتم بألف خير , وعسـاكـم من عـواده.