[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
'' إنني فخور جداً بكل يوم، وكل ساعة قضيتها
كرئيس لأركان حرب القوات المسلحة المصرية، تلك الفترة التي تم خلالها تخطيط
وتنفيذ أول عملية هجومية ناجحة ضد إسرائيل في الثلاثين سنة الماضية، وإني
انتهز هذه الفرصة لكي أشيد بكل ضابط وكل جندي أسهم في تلك الحرب التي
استعادت للجندي المصري كرامته وتاريخه المجيد''.
هكذا كانت بعض
كلماته الافتتاحية عندما قرر الحديث كشاهد عيان على حدث يعتبر من أعظم ما
شهده الشعب المصري في التاريخ المعاصر.. إنه الفريق '' سعد الدين محمد
الحسيني الشاذلي'' أو '' سعد الدين الشاذلي'' كما عُرف، رئيس أركان حرب
القوات المسلحة المصرية في الفترة ما بين 16 مايو 1971 وحتى 13 ديسمبر
1973.
يلقبه البعض بأنه الرأس المدبر للهجوم على خط الدفاع
الإسرائيلي '' بارليف''، وأخرين بأبو العسكرية، فكل من عرف ابن مركز بسيون
بمحافظة الغربية ومواليد ابريل 1922، شهد له بالذكاء العسكري والدقة
الشديدة في تحليل كل ما يتعلق بالأمور العسكرية، إلى جانب شجاعته وتمسكه
بالمباديء والحق فكان ذلك سبباً في محاولة إخفاء سيرته .
وعلى الرغم
مما تحمله '' نكسة 67'' من حزن في نفوس العسكريين بشكل خاص، والشعب
المصري بشكل عام، غير أنها بالنسبة '' للشاذلي '' تعد سبباً في اكتسابه
ثقة وسمعة كبيرة طيبة داخل القوات المسلحة .
كان قائد لوحدة يبلغ
عددها 1500 فرد عرفت باسم ''مجموعة الشاذلي''، تم تكليفها لحماية وسط
سيناء؛ وقتها اتخذ '' الشاذلي '' قراراً اعتبرته القوات جريئاً؛ حيث قرر
العبور بقوته الحدود الدولية والتمركز داخل الأراضي الفلسطينية لمدة يومين
حتى 8 يونيو بعد أن انتقطعت الاتصالات بينه وقادة الجيش في سيناء.
ونجح
في العودة بالقوة بعد أن استطاع الاتصال بالقيادة المصرية التي أمرته
بالانسحاب، وذلك رغم السير في أرض فلسطين التي كانت تسيطر عليها إسرائيل؛
ولم تتكبد قواته إلا القليل من الخسائر خاصة وأنه كان آخر قائد مصري ينسحب
بقواته من سيناء .
وفي 16 مايو 1971 تم تعيين الشاذلي رئيساً للأركان بالقوات المسلحة، في الفترة الحجرة قبل الحرب التي لم تهدأ معاركها منذ 67.
وكان
للشاذلي فضل كبير فيها بوضع فيها بوضع الخطة التي عرفت '' بالمآذن
العالية''، وقامت على استغلال نقاط ضعف اسرائيل في كونها لن تتحمل الخسائر
البشرية لقلة عدد أفرادها، وأنها تعتمد على الحروب السريعة التي تنتهى خلال
4 – 6 اسابيع، فإطالة فترة الحرب لن تمكنها من تعبئة 18 % من الشعب
الإسرائيلي مثلما كانت تقوم في السابق.
ومما قاله ''الشاذلي'' عن تلك
الخطة '' عندما أعبر القناة وأحتل مسافة بعمق 10: 12 كم شرق القناة بطول
الجبهة حوالي 170 كم سأحرم العدو من أهم ميزتين له؛ الأولى تكمن في حرمانه
من الهجوم من الأجناب؛ لأن أجناب الجيش المصري ستكون مرتكزة على البحر
المتوسط في الشمال، وعلى خليج السويس في الجنوب، ولن يستطيع الهجوم من
المؤخرة التي ستكون قناة السويس، فسيضطر إلى الهجوم بالمواجهة وعندها سيدفع
الثمن فادحًا''.
ولم يكن الانتصار هو فقط محور اهتمام ''الشاذلي''،
بل التخطيط وتلافي الأخطاء التي حدثت، فهو القائد العسكري الأشهر نظراً
لمنصبه وقتها كرئيس أركان، الذي أقر بوجود أخطاء للقوات المسلحة سياسية
وعسكرية بحرب أكتوبر .
بل ونادى بضرورة فتح ملف حرب أكتوبر لتلافي تلك الأخطاء في المستقبل إذا ما
دخلت مصر حرب أخرى من ناحية، ولمحاسبة المسؤولين من ناحية أخرى، فتجده
يقول '' أخشى ما أخشاه لو دخلنا حرب أخرى وهذه الحقائق لم تعرف للقادة
والجنود والشعب أن تتكرر هذه الأخطاء ''.
فلم يهدأ '' الشاذلي ''
للانتصار بل ظل متألما لما حدث '' بالثغرة '' ومن ثم محاصرة الجيش الثالث،
خاصة وأن '' السادات'' اتهمه بتحمل المسؤولية رغم مخالفته الشديدة بل وعدم
اخباره كرئيس أركان وقتها عندما اعترض على توريط القوات في التوغل أكثر
بسيناء.
وقال '' الشاذلي'' في مذكراته '' كنت أشعر بالأسى بالنسبة
لرجال الجيش الثالث المحاصرين كيف يمكنني أن أذهب إلى منزلي وهناك 45000
رجل من رجالنا محاصرون؟ حقاً إن يدي نظيفتان من مسؤولية حصارهم ولكن ليس
هذا هو وقت تحديد المسؤولية إنهم أولاً وأخيراً أبناء مصر ويجب ان اشاركهم
احزانهم وقلقهم .. وصممت ألا اعود إلى منزلي إلا بعد أن يعود هؤلاء الرجال
إلى ديارهم ''.
وكانت تلك اللحظات التي أظهرت الخلاف ما بين ''
الشاذلي'' والرئيس الراحل محمد أنور السادات، وعدد من قيادات القوات
المسلحة خاصة وزير الحربية وقتها احمد اسماعيل، فكانت إقالته في ذكرى
زواجه 13 ديسمبر 1973.
وفي الساعة 1700 يوم 12 ديسمبر 1973 غادر ''
الشاذلي'' مركز القيادة'' 10'' حاملاً جميع أوراقه ومذكراته، وإن لم يكن
يعلم أنه آخر يوم له كرئيس لأركان حرب الجيش المصري ونهاية خدمته بالقوات
المسلحة، لكنه توقع ذلك .
قرر '' الشاذلي'' أن يبقى في منزله على أن
يقبل بمنصف سفير مصر في لندن الذي عرضه عليه '' السادات'' مرتين، في رساله
كلامية حملها إليه كل من'' احمد اسماعيل'' وزير الحربية، و'' محمد حسني
مبارك'' نائب الرئيس وقتها ، فكان يرفض في كل مرة .
ولم يكن رده
غير'' إذا كان الرئيس يعرض علىّ هذا المنصب مكافاة لي فأرجو ابلاغه شكرى
واعتذاري عن عدم قبول المنصب وإذا كان هذا المنصب عقاباً لي فلنضع النقاط
على الحروف ولنناقش هذا الموضوع بطريقة علنية لن أقبل هذا المنصب ولن
يستطيع أحد ان يرغمني على قبوله''.
ووصل الأمر إلى نشر قرار تعينه
كسفير مصر بلندن، فاضطر '' الشاذلي'' السفر إلى أسوان؛ حيث تواجد السادات
وقتها، وخاطبه بشأن رفضه مرة أخرى.
'' حسني لما قال لي بلاش دلوقت
لازم حسني بيخاف منك قل لي ماذا تعمل لكي تجعل مرؤوسيك يخافونك ويخشونك''
هكذا قال له '' السادات'' الذي أصر على توليه منصب السفير، ولم يمهله سوى
قول نائبه ''مبارك '': '' بلاش تكلمه دلوقت لأنه راكب دماغه'' .
وظلت
العلاقة بين ''الشاذلي'' والسادات متوترة بشكل كبير لم تقف عند الهجوم على
''السادات'' في مقالة عام 1978 عندما كان سفيراً بالبرتغال، بل وصل الأمر
إلى تقديم بلاغ إلى النائب العام ضده يتهمه فيها بالاهمال الجسيم وتزييف
التاريخ والكذب والإدعاء الباطل وإساءة استخدام السلطة.
ولم يكن حزن
الشاذلي على توقفه عن الخدمه بالقوات المسلحة بل المحاولات الدائمة والتي
كان يراها لابعاده واخفاء اسمه منذ اقالته من منصبه، وحتى بعد رحيل السادات
حيث شهدت فترة حكم مبارك تعمد لعدم ذكر اسم الفريق الشاذلي حتى محو صوره
من بين العمليات.
ووصل الأمر إلى صدرور حكم عسكري ضده، بعد أن قبض
عليه بالمطار عقب عودته إلى مصر بعد 14 قضاها بالجزائر، وذلك بتهمة نشر
كتاب دون موافقة مسبقه عليه .
غير أن فريق المحامين نجحوا في الحصول
على حكم قضائي صادر من اعلى محكمة مدنية وينص على أن الادانة العسكرية غير
قانونية وان الحكم الصادر مخالفا للدستور وأمرت المحكمة بالإفراج الفوري
ولم ينفذ غير الاول بالحكم عام ونصف.
وفي 10 فبراير 2011 قبل يوم على
تنحي مبارك فارق '' الشاذلي'' الحياة بعد أن شهد الثورة وتردد اسمه بين ''
أجيال صغيرة''، ليأتي السادس من أكتوبر هذا العام وقد تم منح اسمه ''
قلادة النيل'' لتبكي زوجته فور تسلمها للوسام.
وتبقى كلماته بعد
تسلمه '' نجمة الشرف'' بلندن على يد مندوب الرئيس شاهدة '' ليس التكريم هو
أن أُمنح وساماً في الخفاء ولكن التكريم هو أن يعلم الشعب بالدور الذي قمت
به وسوف يأتي هذا اليوم ''.