لو أنك تبحث عن رائحة رمضان «بتاع زمان»، فأنت مدعو للتعرف على رمضان فى الصعيد أيام زمان، حيث كان الشهر الكريم ذا قدسية وجلال، رائحة الكنافة البلدى فوق صاجات أفران الطين، والمحمل ومقارئ «المندرة» التى تخرج فيها أعظم وأكبر المنشدين فيما بعد كانت علامات بارزة فى الـ30 ليلة، فى الصعيد كان أكل «لحمة الرأس» فى رمضان عاراً على فاعله، عن «رمضان الصعيد» ذلك الشهر الذى ميزته طقوس وممارسات أهل الجنوب وصنعت له طابعاً ورائحة خاصة يدور هذا التقرير. الحاجة زينب عبدالفتاح، 86 عاماً، قالت عن رمضان زمان: «الشهر الكريم زمان كان له عبق ورائحة ونسمة حلوة كانت تهل بقدومه، أما فى هذا الزمان رمضان عند الناس صيام عن الطعام والشراب بس»، أضافت: «كان لشهر رمضان عادات وتقاليد توارثها الناس عن آبائهم وأجدادهم بعضها ما زال ليومنا هذا، وبعضها اندثر فكان فى الماضى كل بيت قبل حلول رمضان بأسبوع على اﻷقل يجرى تصنيع صاج وكوز الكنافة، ولم تكن انتشرت أفران الكنافة الآلية بعد، وكان أفراد الأسرة وأطفالهم من أولاد وبنات يجتمعون حول أفران الطين أثناء صنع الكنافة تجمعهم الفرحة وتظلّلهم السعادة». وتضيف: من أشهر مأكولات الصعايدة فى رمضان «المرق والعيش الشمسى، كما كان يُحرم أكل العدس والبصارة وكل لحوم الرأس والأرجل خلال شهر رمضان»، وفى أول ليلة من رمضان كانت كل أسرة ترسل ما نطلق عليه «عشاء» لكل بناتها المتزوجات وتتلقى كل فتاة مخطوبة الهدايا والعشاء من خطيبها وأسرته ويتكون العشاء من اللحوم والخضراوات. وقال منصور ربيع، 76 عاماً: «فى الستينات كان الجميع يستعدون لاستقبال رمضان بتعليق الزينات المصنوعة من الورق والبلاستيك والفوانيس ومجسمات المساجد من جريد النخيل المغطى بالورق الشفاف الملون وتعلق فوق المساكن وبين الطرقات ويلونونها بلون اﻷعلام، ﻷننا كنا فى وقت حرب»، مشيراً إلى أن الناس زمان كانت أكثر وطنية عن اﻵن، وكان يشارك فى وضعها الجميع صغاراً وكباراً أما اﻵن فيخجلون من ذلك وذكر: «كنا نجمع من أهل الشارع مبالغ لشراء زينة رمضان، وكان من بين سكان الشارع جارة مسيحية اسمها خالتى خيرية وكانت تتبرع بأكبر مبلغ لشراء زينة رمضان»، وأضاف: «كنا نفتح دواوين العائلات قبل قدوم الشهر بأيام، وكنا ندعو أحد المشايخ لقراءة القرآن وإنشاد التواشيح الدينية والأدعية والابتهالات طوال شهر الصوم، بدءاً من أذان المغرب وحتى مطلع الفجر، فيتناول الشيخ إفطاره وسط هذه العائلات ويتناول سحوره معهم، كما يتم توزيع صوانى الفتة واللحمة على المنازل بالشارع دون استثناء للغنى والفقير، كما يدخل الجميع فى سباق جميل للفوز بأكبر عدد من عابرى السبيل لتناول الإفطار معهم». ويستكمل: «من بين مظاهر احترام الناس زمان للشهر الكريم توقف عادات الثأر، فلا يؤخذ ثأر فى رمضان تقديراً للشهر الكريم، بالإضافة إلى توقف حفلات الزواج نهائياً فى شهر رمضان، كما يتم تأجيل الخطوبة أو عقد القران». ويضيف الحاج محمد فرغلى، 91 عاماً: «رمضان زمان كان له طابع خاص، ففى عصر ليلة الصيام تبدأ دورة رمضان، وهى موكب ضخم يتقدمه «النقارة» وهى عبارة عن طبول يحملها جمل، تتقدمه اﻷعلام الخضراء والدراويش ويتبع الموكب أصحاب الحرف فوق عرباتهم يستعرضون مهاراتهم فيها، ويجوب هذا الموكب بعض شوارع المدينة ابتهاجاً بحلول الشهر الفضيل»، أضاف: «كان مشايخ المساجد يطوفون على المساجد والزوايا لتفقد ما جرى فيها من تنظيف وإصلاح، فضلاً عن تعليق قناديل وإضاءة شموع وتعطيرها بأنواع البخور والمسك والعود الهندى والكافور، وفى ساعة الغروب كان الناس يتجمهرون أمام مركز الشرطة لمشاهدة المدفع الرمضانى وهناك يجلسون ليشاهدوا طقوس إطلاق المدفع، وما إن ينطلق المدفع حتى يصفق المجتمعون ويهللوا وينطلقوا إلى بيوتهم لتناول طعام الإفطار».
رمضان فى «الصعيد» : الثأر والزواج من «الممنوعات»
المستشار- Admin
- الجنس :
الابراج :
عدد الرسائل : 6465
تاريخ الميلاد : 04/07/1964
العمر : 60
المزاج : الحمد لله
نقاط : 8484
تاريخ التسجيل : 19/09/2008
- مساهمة رقم 1