أبناء الصعيد فن ابداع اصالة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

كل ما يهم اهل الصعيد من معلومات و ابداع


    قصه واقعيه روعه لا تفوتكم

    المستشار
    المستشار
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    الابراج : السرطان
    عدد الرسائل : 6465
    تاريخ الميلاد : 04/07/1964
    العمر : 59
    المزاج : الحمد لله
    نقاط : 8484
    تاريخ التسجيل : 19/09/2008

    قصه واقعيه                                        روعه لا تفوتكم Empty قصه واقعيه روعه لا تفوتكم

    مُساهمة من طرف المستشار الأحد 18 يناير - 22:14:10

    أذكرليلتها أنّي أضحكتهم كثيراً.. كنت أمتلك موهبة عجيبة في التقليد.. بإمكانيتغيير نبرة صوتي حتى تصبح قريبة من الشخص الذي أسخر منه.. أجل كنت أسخر منهذا وذاك.. لم يسلم أحد منّي أحد حتى أصحابي.. صار بعض الناس يتجنّبني كييسلم من لساني‎. لمأكن جاوزت الثلاثين حين أنجبت زوجتي أوّل أبنائي.. ما زلت أذكر تلك الليلة.. بقيت إلى آخر الليل مع الشّلة في إحدى الاستراحات.. كانت سهرة مليئةبالكلام الفارغ.. بل بالغيبة والتعليقات المحرمة... كنت أنا الذي أتولى فيالغالب إضحاكهم.. وغيبة الناس.. وهم يضحكون‎.


    أذكرأني تلك الليلة سخرت من أعمى رأيته يتسوّل في السّوق... والأدهى أنّي وضعتقدمي أمامه فتعثّر وسقط يتلفت برأسه لا يدري ما يقول.. وانطلقت ضحكتي تدويفي السّوق‎..

    عدت إلى بيتي متأخراً كالعادة.. وجدت زوجتي في انتظاري.. كانت في حالة يرثى لها.. قالت بصوت متهدج: راشد.. أين كنتَ ؟‎

    قلت ساخراً: في المريخ.. عند أصحابي بالطبع‎ ....

    كان الإعياء ظاهراً عليها.. قالت والعبرة تخنقها: راشد… أنا تعبة جداً .... الظاهر أن موعد ولادتي صار وشيكا‎ ..

    سقطت دمعة صامته على خدها.. أحسست أنّي أهملت زوجتي.. كان المفروض أن أهتم بها وأقلّل من سهراتي.. خاصة أنّها في شهرها التاسع‎ .

    حملتهاإلى المستشفى بسرعة.. دخلت غرفة الولادة.. جعلت تقاسي الآلام ساعات طوال..كنت أنتظر ولادتها بفارغ الصبر.. تعسرت ولادتها.. فانتظرت طويلاً حتىتعبت.. فذهبت إلى البيت وتركت رقم هاتفي عندهم ليبشروني‎.

    بعدساعة.. اتصلوا بي ليزفوا لي نبأ قدوم سالم ذهبت إلى المستشفى فوراً.. أولما رأوني أسأل عن غرفتها.. طلبوا منّي مراجعة الطبيبة التي أشرفت علىولادة زوجتي‎.

    صرختُ بهم: أيُّ طبيبة ؟! المهم أن أرى ابني سالم‎.

    قالوا، أولاً راجع الطبيبة‎ ..

    دخلت على الطبيبة.. كلمتني عن المصائب .... والرضى بالأقدار . ثم قالت: ولدك به تشوه شديد في عينيه ويبدوا أنه فاقد البصر‎ !!

    خفضت رأسي.. وأنا أدافع عبراتي.. تذكّرت ذاك المتسوّل الأعمى الذي دفعته في السوق وأضحكت عليه الناس‎.

    سبحانالله كما تدين تدان ! بقيت واجماً قليلاً.. لا أدري ماذا أقول.. ثم تذكرتزوجتي وولدي .. فشكرت الطبيبة على لطفها ومضيت لأرى زوجتي‎ ..

    لم تحزن زوجتي.. كانت مؤمنة بقضاء الله.. راضية. طالما نصحتني أن أكف عن الاستهزاء بالناس.. كانت تردد دائماً، لا تغتب الناس‎ ..

    خرجنامن المستشفى، وخرج سالم معنا. في الحقيقة، لم أكن أهتم به كثيراً. اعتبرتهغير موجود في المنزل. حين يشتد بكاؤه أهرب إلى الصالة لأنام فيها. كانتزوجتي تهتم به كثيراً، وتحبّه كثيراً. أما أنا فلم أكن أكرهه، لكني لمأستطع أن أحبّه‎ !

    كبرسالم.. بدأ يحبو.. كانت حبوته غريبة.. قارب عمره السنة فبدأ يحاول المشي..فاكتشفنا أنّه أعرج. أصبح ثقيلاً على نفسي أكثر. أنجبت زوجتي بعده عمروخالداً‎.

    مرّت السنوات وكبر سالم، وكبر أخواه. كنت لا أحب الجلوس في البيت. دائماً مع أصحابي. في الحقيقة كنت كاللعبة في أيديهم‎ ..

    لمتيأس زوجتي من إصلاحي. كانت تدعو لي دائماً بالهداية. لم تغضب من تصرّفاتيالطائشة، لكنها كانت تحزن كثيراً إذا رأت إهمالي لسالم واهتمامي بباقيإخوته‎.

    كبرسالم وكبُر معه همي. لم أمانع حين طلبت زوجتي تسجيله في أحدى المدارسالخاصة بالمعاقين. لم أكن أحس بمرور السنوات. أيّامي سواء . عمل ونوموطعام وسهر‎.

    فييوم جمعة، استيقظت الساعة الحادية عشر ظهراً. ما يزال الوقت مبكراًبالنسبة لي. كنت مدعواً إلى وليمة. لبست وتعطّرت وهممت بالخروج. مررتبصالة المنزل فاستوقفني منظر سالم. كان يبكي بحرقة‎!

    إنّهاالمرّة الأولى التي أنتبه فيها إلى سالم يبكي مذ كان طفلاً. عشر سنواتمضت، لم ألتفت إليه. حاولت أن أتجاهله فلم أحتمل. كنت أسمع صوته ينادي أمهوأنا في الغرفة. التفت ... ثم اقتربت منه. قلت: سالم! لماذا تبكي؟‎!

    حينسمع صوتي توقّف عن البكاء. فلما شعر بقربي، بدأ يتحسّس ما حوله بيديهالصغيرتين. ما بِه يا ترى؟! اكتشفت أنه يحاول الابتعاد عني!! وكأنه يقول:الآن أحسست بي. أين أنت منذ عشر سنوات ؟! تبعته ... كان قد دخل غرفته. رفضأن يخبرني في البداية سبب بكائه. حاولت التلطف معه .. بدأ سالم يبين سبببكائه، وأنا أستمع إليه وأنتفض‎.

    أتدريما السبب!! تأخّر عليه أخوه عمر، الذي اعتاد أن يوصله إلى المسجد. ولأنهاصلاة جمعة، خاف ألاّ يجد مكاناً في الصف الأوّل. نادى عمر.. ونادىوالدته.. ولكن لا مجيب.. فبكى‎.

    أخذت أنظر إلى الدموع تتسرب من عينيه المكفوفتين. لم أستطع أن أتحمل بقية كلامه. وضعت يدي على فمه وقلت: لذلك بكيت يا سالم‎ !!..

    قال: نعم‎ ..

    نسيت أصحابي، ونسيت الوليمة وقلت: سالم لا تحزن. هل تعلم من سيذهب بك اليوم إلى المسجد؟‎

    قال: أكيد عمر .... لكنه يتأخر دائماً‎ ..

    قلت: لا .. بل أنا سأذهب بك‎ ..

    دهشسالم .. لم يصدّق. ظنّ أنّي أسخر منه. استعبر ثم بكى. مسحت دموعه بيديوأمسكت يده. أردت أن أوصله بالسيّارة. رفض قائلاً: المسجد قريب... أريد أنأخطو إلى المسجد - إي والله قال لي ذلك‎.

    لاأذكر متى كانت آخر مرّة دخلت فيها المسجد، لكنها المرّة الأولى التي أشعرفيها بالخوف والنّدم على ما فرّطته طوال السنوات الماضية. كان المسجدمليئاً بالمصلّين، إلاّ أنّي وجدت لسالم مكاناً في الصف الأوّل. استمعنالخطبة الجمعة معاً وصلى بجانبي... بل في الحقيقة أنا صليت بجانبه‎ ..

    بعدانتهاء الصلاة طلب منّي سالم مصحفاً. استغربت!! كيف سيقرأ وهو أعمى؟ كدتأن أتجاهل طلبه، لكني جاملته خوفاً من جرح مشاعره. ناولته المصحف ... طلبمنّي أن أفتح المصحف على سورة الكهف. أخذت أقلب الصفحات تارة وأنظر فيالفهرس تارة .. حتى وجدتها‎.

    أخذ مني المصحف ثم وضعه أمامه وبدأ في قراءة السورة ... وعيناه مغمضتان ... يا الله !! إنّه يحفظ سورة الكهف كاملة‎!!

    خجلتمن نفسي. أمسكت مصحفاً ... أحسست برعشة في أوصالي... قرأت وقرأت.. دعوتالله أن يغفر لي ويهديني. لم أستطع الاحتمال .... فبدأت أبكي كالأطفال.كان بعض الناس لا يزال في المسجد يصلي السنة ... خجلت منهم فحاولت أن أكتمبكائي. تحول البكاء إلى نشيج وشهيق‎ ...

    لمأشعر إلا ّ بيد صغيرة تتلمس وجهي ثم تمسح عنّي دموعي. إنه سالم !! ضممتهإلى صدري... نظرت إليه. قلت في نفسي... لست أنت الأعمى بل أنا الأعمى، حينانسقت وراء فساق يجرونني إلى النار‎.

    عدنا إلى المنزل. كانت زوجتي قلقة كثيراً على سالم، لكن قلقها تحوّل إلى دموع حين علمت أنّي صلّيت الجمعة مع سالم‎ ..

    منذلك اليوم لم تفتني صلاة جماعة في المسجد. هجرت رفقاء السوء .. وأصبحت ليرفقة خيّرة عرفتها في المسجد. ذقت طعم الإيمان معهم. عرفت منهم أشياءألهتني عنها الدنيا. لم أفوّت حلقة ذكر أو صلاة الوتر. ختمت القرآن عدّةمرّات في شهر. رطّبت لساني بالذكر لعلّ الله يغفر لي غيبتي وسخريتي منالنّاس. أحسست أنّي أكثر قرباً من أسرتي. اختفت نظرات الخوف والشفقة التيكانت تطل من عيون زوجتي. الابتسامة ما عادت تفارق وجه ابني سالم. من يراهيظنّه ملك الدنيا وما فيها. حمدت الله كثيراً على نعمه‎.

    ذاتيوم ... قرر أصحابي الصالحون أن يتوجّهوا إلى أحدى المناطق البعيدةللدعوة. تردّدت في الذهاب. استخرت الله واستشرت زوجتي. توقعت أنهاسترفض... لكن حدث العكس‎ !

    فرحت كثيراً، بل شجّعتني. فلقد كانت تراني في السابق أسافر دون استشارتها فسقاً وفجوراً‎.

    توجهت إلى سالم. أخبرته أني مسافر فضمني بذراعيه الصغيرين مودعاً‎...

    تغيّبتعن البيت ثلاثة أشهر ونصف، كنت خلال تلك الفترة أتصل كلّما سنحت لي الفرصةبزوجتي وأحدّث أبنائي. اشتقت إليهم كثيراً ..... آآآه كم اشتقت إلى سالم!! تمنّيت سماع صوته... هو الوحيد الذي لم يحدّثني منذ سافرت. إمّا أنيكون في المدرسة أو المسجد ساعة اتصالي بهم‎.

    كلّما حدّثت زوجتي عن شوقي إليه، كانت تضحك فرحاً وبشراً، إلاّ آخر مرّة هاتفتها فيها. لم أسمع ضحكتها المتوقّعة. تغيّر صوتها‎ ..

    قلت لها: أبلغي سلامي لسالم، فقالت: إن شاء الله ... وسكتت‎...

    أخيراًعدت إلى المنزل. طرقت الباب. تمنّيت أن يفتح لي سالم، لكن فوجئت بابنيخالد الذي لم يتجاوز الرابعة من عمره. حملته بين ذراعي وهو يصرخ: بابا ..بابا .. لا أدري لماذا انقبض صدري حين دخلت البيت‎.

    استعذت بالله من الشيطان الرجيم‎ ..

    أقبلت إليّ زوجتي ... كان وجهها متغيراً. كأنها تتصنع الفرح‎.

    تأمّلتها جيداً ثم سألتها: ما بكِ؟‎

    قالت: لا شيء‎ .

    فجأة تذكّرت سالماً فقلت .. أين سالم ؟‎

    خفضت رأسها. لم تجب. سقطت دمعات حارة على خديها‎...

    صرخت بها ... سالم! أين سالم .؟‎

    لم أسمع حينها سوى صوت ابني خالد يقول بلغته: بابا ... ثالم لاح الجنّة ... عند الله‎...

    لم تتحمل زوجتي الموقف. أجهشت بالبكاء. كادت أن تسقط على الأرض، فخرجت من الغرفة‎.

    عرفتبعدها أن سالم أصابته حمّى قبل موعد مجيئي بأسبوعين فأخذته زوجتي إلىالمستشفى .. فاشتدت عليه الحمى ولم تفارقه ... حين فارقت روحه جسده‎ ..

    إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت، وضاقت عليك نفسك بما حملت فاهتف ... يا الله‎

    إذا بارت الحيل، وضاقت السبل، وانتهت الآمال، وتقطعت الحبال، نادي ... يا الله

    لا اله‎ الا الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء 7 مايو - 16:15:50