بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب جمعته في فضل الصحابة رضي الله عنهم وأنا إن شاء الله أضعه هنا على حلقات والكتاب طبع قبل ذلك وانتشر ولله الحمد والمنة .
المقدمة
الحمد لله رب العالمين ، إله الأولين وإله الآخرين ، المعبود في كل مكان ، الممدوح بكل لسان ، خلق الخلق لعبادته ، وأنار لهم الطريق برسالته ، فأرسل إليهم الرسل ليعلموهم ، ومن أوحال الشرك إلى أنوار التوحيد يخرجوهم ، وجعل الجنة مستقراً لمن أطاع ، وجعل النار مثوى لمن ضل وزاغ ، خلق كل شيء بقدر ، وأذل رقاب المشركين وقهر ، ورفع ذكر عباده الموحدين ونصر ، كور الليل على النهار ، وكتب الفناء على أهل هذه الدار ، وجعل لهم بعد الموت دار قرار ، إما إلى جنة وإما إلى نار ، إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار .
أحمده تعالى حمد معترف بربوبيته ، منكسر تحت درجات عبوديته ، الحي القيوم ، منفس الكروب ومفرج الهموم ، سبحانه جل في عليائه ، وعظم في عالي سمائه .
وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين ، منزل القرآن موعظة للمتقين ، فيه عدة الصابرين ، وسلوة المصابين ، أنزله حجة على العباد ، ليستعدوا ليوم المعاد ، فالسعيد من تمسك به فنجى ، والشقي من تنكب سبيله فغوى .
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وصفيه من خلقه وخليله ، أرسله رحمةً مهداة ، ونعمة مسداة ، بشيراً ونذيراً ، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، شرح الله صدره ، ووضع عنه وزره ، ورفع له ذكره ، أرسله بالحق والنور ، فأنار بدعوته الصدور ، فتح به آذاناً صماً ، وعيوناً عمياً ، وقلوباً غلفاً ، فأخرج به العباد ، من عبادة العباد ، إلى عبادة رب العباد ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ، بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح الأمة ، فكشف الله به الغمة ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه صلاة دائمة ما دامت السماوات والأرض وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد:
فاعلم ـ يا رعاك الله ـ أن لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم أجمعين حقاً على من بعدهم، ذلك أنهم جيل القدوة، وصفوة الصفوة، كيف لا؛ وهم نقلة الآثار والسنن والقرآن، ولهم من السابقة والشرف ما يعجز عن وصفه لسان، فهم نجوم الهدى، ورجوم العِدَى، وهم ـ بعد الأنبياء والمرسلين ـ خير من وَطِئَ الثرى، قوم شرفهم اللهجل جلاله بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأقامهم لنصرة صفيه صلى الله عليه وسلم، واجتباهم لنقل أمانته، واصطفاهم لتبليغ رسالته، فكانوا القوم الذين لا يشقى بهم الجليس، والصحبة التي لا يملّ منها الأنيس.
وقد قلت فيهم قصيدة دونك بعض أبياتها:
هُمْ خَيْرُ أَهْـــلِ الْأَرْضِ عَـــــزَّ جَنَابُهُمْ ***هُمْ دُرَّةُ الْأَزْمَانِ و كَوْكَـــــبُ الشِّعْرَى
أَهْــــلُ النَّجَاةِ وَأَهْلُ النَّصْرِ قُـــــدْوَتُنَا***صَحْـــبُ النَّبِيِّ بِهــمْ نَسْتَخْلِصُ الْعِبَرَا
أَنْصَـــــــارُ سُنَّتِنَا أَعْـــــــلَامُ أُمَّتِنَا***هُمْ فَخْــــــــرُ مِلَّتِنَا قَدْ أَثْلَجُوا الصَّدْرَا
هَـــــذِي شَمَائِلُهُمْ تَزْهُــــــو بِهَا الدُّنْيَا***مَنْ ذَا يُنَازِعُهُمْ قَـــــــدْ خَابَ أَوْ خَسِرَا
فِي الْقَلْبِ مَسْكَنُهُمْ حَلُّوا وَإِنْ ظَعَنُــوا***وَالنَّفْـسُ تَطْلُبُهُمْ أَكْـــــــرِمْ بِهِمْ قَـــدْرَا
ولقد شاع في هذه الأزمان وذاع، مسألة خطيرة عظيمة، يترتب عليها أشياء كبيرة جسيمة، وهي مسألة الكلام في الصحابة رضي الله عنهم بالتفسيق والتشنيع ، بل والتكفير والتبديع.
وإذا ما نظرنا بعين الفاحص الخبير، وتدبرنا هذا الكلام الخطير، وجدناه يقدح في صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم، بل ويقدح في دين الإسلام، ويقدح في ربنا عز وجل.
وإليك التفصيل:
إذا كان الصحابة ـ كلهم أو غالبيتهم ـ من شرار الخلق!
فما هو حال صاحبهم الذي عاش معهم فترة من الزمن؟
فهل يرضى عن قوم هم من أكفر الناس؟!
أم أنه خلال الثلاثِ والعشرين سنة التي قضاها معهم لم يربهم التربية الإسلامية الحقّة ؟!
ثم لماذا يذكر لهم من الفضائل التي قد ملأت دواوين السنة؟
فهل ذَكَرَ هذه الفضائل وهو يعرف أنهم من شرار الخلق؟!،
فهذا طعن في النبي صلى الله عليه وسلم.
والسؤال الآخر من الواسطة بيننا وبين النبي صلى الله عليه وسلم في نقل الشريعة؟
أليسوا هم؟
فما بالك بالدين الذي ينقله فساق! أو ضلال! أو كفار!،
أليس في هذا تشكيك في الدين؟!.
وأيضاً من المعلوم قطعاً أن الله تعالى لا يختار لنبيه إلا الأفضل،
فهل اختيار الله لهم ليكونوا أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم، وحملة الرسالة، وتبليغها للناس بعد وفاته، وهم ـ كما يقول الطاعن فيهم ـ من شرار الخلق!
فهل هذا هو الأفضل للنبي صلى الله عليه وسلم؟!
تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
لذا جمعت هذه الورقات ـ وليس لي فيها إلا الجمع(1)ـ رجاء الأجر والثواب، من الملك الكريم الوهاب، وأردت أن يكون لي شرف ذكر هذا الجيل العظيم، وأن يكون لي نصيب في الذب عن أصحاب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم؛ حتى أكون من الذابين عن عرض إخوانهم، الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من ذب عن عرض أخيه ـ وفي رواية عن لحم أخيه ـ بالغَيْبَة كان حقاً على الله أن يعتقه من النار"(2).
فانتظمت هذه الرسالة ذكرَ فضائل الأصحاب، من صحيح السنة وآي الكتاب، وأقوال السلف أولي البصائر والألباب، وأسميته:
{الصحابة جيل القدوة}
ليستبين الطريق أمام المخدوعين من عوامّ أهل السنة والجماعة، وأن يكون شوكة في حلوق المعتدين من طَغَام(3) أهل البدع والضلالة، فكان في هذه الكلمات المختصرة ما يثلج صدر أهل الحق والإيمان، ويُقِرَّ به عيونهم، ويزلزل أركان أهل الباطل والطغيان، ويَفُلَّ(4) به جيوشهم.
هذا؛ ولا بد للعمل البشري من نقص يعتريه، ومن خلل يكون فيه، فإن وجد فهو من قصر باعي، وقلة اطلاعي.
وأخيراً؛ أسأل الله المغفرة من الخطأ والزلل، وأن يختم لي بخير قول وعمل، وأن يجري لي أجر ما كتبت فإنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذا كتاب جمعته في فضل الصحابة رضي الله عنهم وأنا إن شاء الله أضعه هنا على حلقات والكتاب طبع قبل ذلك وانتشر ولله الحمد والمنة .
المقدمة
الحمد لله رب العالمين ، إله الأولين وإله الآخرين ، المعبود في كل مكان ، الممدوح بكل لسان ، خلق الخلق لعبادته ، وأنار لهم الطريق برسالته ، فأرسل إليهم الرسل ليعلموهم ، ومن أوحال الشرك إلى أنوار التوحيد يخرجوهم ، وجعل الجنة مستقراً لمن أطاع ، وجعل النار مثوى لمن ضل وزاغ ، خلق كل شيء بقدر ، وأذل رقاب المشركين وقهر ، ورفع ذكر عباده الموحدين ونصر ، كور الليل على النهار ، وكتب الفناء على أهل هذه الدار ، وجعل لهم بعد الموت دار قرار ، إما إلى جنة وإما إلى نار ، إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار .
أحمده تعالى حمد معترف بربوبيته ، منكسر تحت درجات عبوديته ، الحي القيوم ، منفس الكروب ومفرج الهموم ، سبحانه جل في عليائه ، وعظم في عالي سمائه .
وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين ، منزل القرآن موعظة للمتقين ، فيه عدة الصابرين ، وسلوة المصابين ، أنزله حجة على العباد ، ليستعدوا ليوم المعاد ، فالسعيد من تمسك به فنجى ، والشقي من تنكب سبيله فغوى .
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وصفيه من خلقه وخليله ، أرسله رحمةً مهداة ، ونعمة مسداة ، بشيراً ونذيراً ، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، شرح الله صدره ، ووضع عنه وزره ، ورفع له ذكره ، أرسله بالحق والنور ، فأنار بدعوته الصدور ، فتح به آذاناً صماً ، وعيوناً عمياً ، وقلوباً غلفاً ، فأخرج به العباد ، من عبادة العباد ، إلى عبادة رب العباد ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ، بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح الأمة ، فكشف الله به الغمة ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه صلاة دائمة ما دامت السماوات والأرض وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد:
فاعلم ـ يا رعاك الله ـ أن لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم أجمعين حقاً على من بعدهم، ذلك أنهم جيل القدوة، وصفوة الصفوة، كيف لا؛ وهم نقلة الآثار والسنن والقرآن، ولهم من السابقة والشرف ما يعجز عن وصفه لسان، فهم نجوم الهدى، ورجوم العِدَى، وهم ـ بعد الأنبياء والمرسلين ـ خير من وَطِئَ الثرى، قوم شرفهم اللهجل جلاله بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأقامهم لنصرة صفيه صلى الله عليه وسلم، واجتباهم لنقل أمانته، واصطفاهم لتبليغ رسالته، فكانوا القوم الذين لا يشقى بهم الجليس، والصحبة التي لا يملّ منها الأنيس.
وقد قلت فيهم قصيدة دونك بعض أبياتها:
هُمْ خَيْرُ أَهْـــلِ الْأَرْضِ عَـــــزَّ جَنَابُهُمْ ***هُمْ دُرَّةُ الْأَزْمَانِ و كَوْكَـــــبُ الشِّعْرَى
أَهْــــلُ النَّجَاةِ وَأَهْلُ النَّصْرِ قُـــــدْوَتُنَا***صَحْـــبُ النَّبِيِّ بِهــمْ نَسْتَخْلِصُ الْعِبَرَا
أَنْصَـــــــارُ سُنَّتِنَا أَعْـــــــلَامُ أُمَّتِنَا***هُمْ فَخْــــــــرُ مِلَّتِنَا قَدْ أَثْلَجُوا الصَّدْرَا
هَـــــذِي شَمَائِلُهُمْ تَزْهُــــــو بِهَا الدُّنْيَا***مَنْ ذَا يُنَازِعُهُمْ قَـــــــدْ خَابَ أَوْ خَسِرَا
فِي الْقَلْبِ مَسْكَنُهُمْ حَلُّوا وَإِنْ ظَعَنُــوا***وَالنَّفْـسُ تَطْلُبُهُمْ أَكْـــــــرِمْ بِهِمْ قَـــدْرَا
ولقد شاع في هذه الأزمان وذاع، مسألة خطيرة عظيمة، يترتب عليها أشياء كبيرة جسيمة، وهي مسألة الكلام في الصحابة رضي الله عنهم بالتفسيق والتشنيع ، بل والتكفير والتبديع.
وإذا ما نظرنا بعين الفاحص الخبير، وتدبرنا هذا الكلام الخطير، وجدناه يقدح في صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم، بل ويقدح في دين الإسلام، ويقدح في ربنا عز وجل.
وإليك التفصيل:
إذا كان الصحابة ـ كلهم أو غالبيتهم ـ من شرار الخلق!
فما هو حال صاحبهم الذي عاش معهم فترة من الزمن؟
فهل يرضى عن قوم هم من أكفر الناس؟!
أم أنه خلال الثلاثِ والعشرين سنة التي قضاها معهم لم يربهم التربية الإسلامية الحقّة ؟!
ثم لماذا يذكر لهم من الفضائل التي قد ملأت دواوين السنة؟
فهل ذَكَرَ هذه الفضائل وهو يعرف أنهم من شرار الخلق؟!،
فهذا طعن في النبي صلى الله عليه وسلم.
والسؤال الآخر من الواسطة بيننا وبين النبي صلى الله عليه وسلم في نقل الشريعة؟
أليسوا هم؟
فما بالك بالدين الذي ينقله فساق! أو ضلال! أو كفار!،
أليس في هذا تشكيك في الدين؟!.
وأيضاً من المعلوم قطعاً أن الله تعالى لا يختار لنبيه إلا الأفضل،
فهل اختيار الله لهم ليكونوا أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم، وحملة الرسالة، وتبليغها للناس بعد وفاته، وهم ـ كما يقول الطاعن فيهم ـ من شرار الخلق!
فهل هذا هو الأفضل للنبي صلى الله عليه وسلم؟!
تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
لذا جمعت هذه الورقات ـ وليس لي فيها إلا الجمع(1)ـ رجاء الأجر والثواب، من الملك الكريم الوهاب، وأردت أن يكون لي شرف ذكر هذا الجيل العظيم، وأن يكون لي نصيب في الذب عن أصحاب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم؛ حتى أكون من الذابين عن عرض إخوانهم، الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من ذب عن عرض أخيه ـ وفي رواية عن لحم أخيه ـ بالغَيْبَة كان حقاً على الله أن يعتقه من النار"(2).
فانتظمت هذه الرسالة ذكرَ فضائل الأصحاب، من صحيح السنة وآي الكتاب، وأقوال السلف أولي البصائر والألباب، وأسميته:
{الصحابة جيل القدوة}
ليستبين الطريق أمام المخدوعين من عوامّ أهل السنة والجماعة، وأن يكون شوكة في حلوق المعتدين من طَغَام(3) أهل البدع والضلالة، فكان في هذه الكلمات المختصرة ما يثلج صدر أهل الحق والإيمان، ويُقِرَّ به عيونهم، ويزلزل أركان أهل الباطل والطغيان، ويَفُلَّ(4) به جيوشهم.
هذا؛ ولا بد للعمل البشري من نقص يعتريه، ومن خلل يكون فيه، فإن وجد فهو من قصر باعي، وقلة اطلاعي.
وأخيراً؛ أسأل الله المغفرة من الخطأ والزلل، وأن يختم لي بخير قول وعمل، وأن يجري لي أجر ما كتبت فإنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.