نجم الشرق وكوكب الشرق ** مفارقات
مما لا شك فيه أن الشيخ ياسين التهامي يعد ظاهرة فريدة في عالم الغناء والطرب وفي عالم الإنشاد الديني خاصة , وذلك ما صرحت به الصحافة الأسبانية حيث أطلقت عليه ( ياسين العظيم ظاهرة الشرق ) وقريب من هذا مقال نشر بمجلة نصف الدنيا المصرية عنوانه ( ظاهرة في مصر اسمها ياسين التهامي ) 000
والمتأمل في قصة حياة هذا الرجل يجد فيها موافقات متعددة وأوجه شبه كثيرة بينه وبين العملاقة سيدة الغناء العربي السيدة أم كلثوم , فكلاهما قد حقق معادلة صعبة في عالم الفن والغناء فمن السهل أن يصل الإنسان إلى الشهرة والنجاح , أما الصعب هو أن يحافظ الإنسان على هذا النجاح وأن يقدر على صنع أرضية ثابتة يجتمع عليها المثقفون وعامة الناس والأميون وأن يقدم فنا تتفق عليه كل الأذواق هذه المعادلة الصعبة لم تتحقق في عالم الغناء بكل أجناسه إلا مع أم كلثوم , ثم جاء ياسين التهامي من قلب الصعيد بصوت دافئ ينقل أشعار المتصوفة العظام ( الحلاج وابن الفارض والسهروردي ورابعة العدوية والجيلي ) جاء بصوته الذي يجمع بين وهج حرارة الصعيد وألق شعراء لم يجد الزمان بمثلهم يصدح بصوت العشق والهوى ويغرد للأرواح العطشى للرحيل خلف صبابة الحب الإلهي
ويمكن أن نرصد بعض أوجه الشبه بين الظاهرتين ( أم كلثوم وياسين التهامي ) وذلك من عدة نواحي :
عند ظهور السيدة أم كلثوم وانطلاقها في عالم الغناء في مطالع العشرينات من القرن الماضي كانت هناك على الساحة ملكة متوجة للغناء هي سلطانة الطرب ( منيرة المهدية ) 0
ومن الموافقات الطريفة أن يكون ظهور الشيخ ياسين وبدايته في مجال الإنشاد الديني في وجود عملاق في هذا الفن له جمهوره العريض وله محبوه في كل مكان من أرض مصر ؛ هذا العملاق هو الشيخ أحمد التوني , وهو ابن قرية الحواتكة أيضا وله دوره ومدرسته في فن الإنشاد الديني , وهو – كما وصف في كتاب الهلال عدد ديسمبر 1995 - " أحد أعلام الإنشاد وصاحب الصوت الدافئ الأجش الذي يذكرنا بصوت الشيخ زكريأحمد "
ولكن الشيخ ياسين في ظل وجود الشيخ أحمد التوني نجده يسلك مسلكا متفردا بعيدا عن أسلوب الشيخ التوني , ويصبح بهذا الأسلوب صاحب مدرسة أخرى هي إحدى مدرستين للإنشاد الديني في مصر
وجه الشبه الثاني بين التهامي وأم كلثوم هو ارتقاء كل منهما بالفن الذي التحق به فأم كلثوم عند ظهورها كانت تنتشر موجة من الأغاني الهابطة الركيكة التي لا ترقى إلى المستوى الذوقي المطلوب , حتى الأغاني التي اشتهرت بها سلطانة الطرب ( منيرة المهدية ) كانت خالية من الكلمة الهادفة وإنما كانت تغني كلاما عندما تسمعه يطربك صوتها الجميل ولكن دون حس ينقله إليك ولا شعور يبثه فيك ولا يمكن أن يكون له وقع لديك , فقد كانت تغني لتطرب أذنك وحاستك المادية فقط , كما كانت ( السلطانة ) عامية النطق والإشارة عاميةالمفاهيم
فبينما كانت تتغنى بأشهر أغانيها
أوعى تكلمني بابا جي ورايا
يآخد باله مني يـزعـل ويايا
أو أغنيتها التي تقول فيها
متخافش علـيّا ده أنا واحده سبوريا
في العشق يا إنت واخده الباكالوريا
بينما كانت تغني هذه الأغاني وغيرها من الأغاني ذات المستوى الذوقي الهابط تأتي أم كلثوم بكل ما أعطاها الله من صوت نادر في امتيازه سواء في الجمال أو في سلامة اللغة العربية وتنطلق بالغناء بقصيدة باللغة العربية الفصحى مثل
وحقك أنت المنى والطلب *** وأنت المراد وأنتا الأرب
ولي فيك يا هاجري صبوة *** تحير في وصفها كل صب
أو مثل قصيدة
غيري على السلوان قادر *** وسواي في العشاق غادر
لي في الغـرام ســـــريرة *** والــله أعـــــلم بالسـرائـر
ومع هذا فقد أبهرت الجميع ونجحت مع وجود كل هذه العقبات , واستطاعت أن تنقل الشعب الذي تعود على استماع الأغاني العامية التي لا هدف منها إلى استماع القصائد الجادة
وإذا نظرنا إلى الشيخ ياسين التهامي نجده أيضا قد ظهر في فترة مظلمة لفن الإنشاد الديني , لم يكن فيها كثير من الأسماء المشهورة ولم يكن لهذا الفن أي أثر يذكر , وكان المسيطر على هذا الفن – كما قلنا – هو الشيخ أحمد التوني الذي ورث هذا الفن عن سابقين من أمثال الشيخ الغنيمي والشيخ الشبيتي وآخرين
ولكن الإنشاد في هذه الفترة كان يأخذ طابعا عاميا بسيطا يعتمد على لحن معين أو نغمة معينة يلتزم بها المنشد ولا يغيرها مع اعتماده في أغلب الأحيان على الكلام العامي
يقول الشيخ الغنيمي في بعض أناشيده
عجبي على ناس لا صاموا ولا صلوا
وعدوا البحر ع المنديل ما ابـــتلوا
وفي آخر الليل في حرم النبي صلوا
ويقول الشيخ أحمد التوني في بعض أناشيده
رنيــت يا كاس قلى ســبب رنك
رنــيت وحدك ولا الهوى رنـــــــك
يا ساهر الليل قوم حرص على دنك
لحسن يقوموا السهارى يشربوه منك
ولم يستهو هذا النوع من الكلام الشيخ ياسين التهامي , ولكنه قرر أن يرتقي بهذا الفن ويدخل فيه ما حفظه في صباه من كلام أعلام الصوفية الكبار الذين يمدح في ساحاتهم فنجده بدأ في أولى حفلاته بقصيدة للسهروردي مطلعها
أبدا تحن إليكم الأرواح *** ووصالكم ريحانها والراح
أو نجده يتغنى بقصيدة لسلطان العاشقين سيدي عمر بن الفارض مثل
ما بين معترك الأحداق والمهج *** أنا القتيل بلا إثم ولا حرج
ومع أن هذا الكلام يصعب فهمه إلا على المتعلم الدارس لأصول اللغة العربية ؛ إلا أن التهامي بأسلوبه العذب وبإحساسه الذي يبلغ ذروته وهو في حالة الإنشاد نجد أن كل مستمعيه ينجذبون إليه ويتمايلون معه في نشوة ساحرة يرددون ما يسمعونه منه ولو لم يفهموا معناه إلا أنهم يحسونه
من الموافقات التي بين كوكب الشرق ونجم الشرق أن الشيخ ياسين قام بإنشاد بعض القصائد التي غنتها أم كلثوم ومن هذه القصائد
غيري على السلوان قادر *** وسواي في العشاق غادر
غنتها أم كلثوم وهي من كلمات سيدي عمر بن الفارض ولحنها لها الشيخ أبو العلا محمد وغناها الشيخ ياسين في كثير من حفلاته بألحانه
ما لي فتنت بلحظـك الفتـاك *** وسلوت كـــل ملــيحـة إلاك
يسراي قد ملكت زمام صبابتي *** ومضلتي وهداي في يمناك
كلمات الشاعر على الجارم غنتها أم كلثوم ولحنها لها الملحن الهاوي الدكتور صبري النجريدي وأنشدها أيضا الشيخ ياسين بألحانه
ولد الهدى فالكائنات ضياء *** وفم الزمان تبسم وثناء
رائعة أمير الشعراء أحمد شوقي وقد اختارت أم كلثوم بعض أبيات هذه القصيدة ولحنها لها الملحن العبقري رياض السنباطي , واختار منها الشيخ ياسين التهامي بعض الأبيات وأنشدها بألحانه
سلوا قلبي غداة سلا وثابا *** لعل على الجمال له عتابا
كلمات أمير الشعراء أحمد شوقي وقد لحنها لأم كلثوم العبقري رياض السنباطي أيضا . واختار الشيخ بعضا منها وأنشدها بألحانه
غريب على باب الرجاء طريح *** يناديك موصول الجوى وينوح
وهي كلمات الشاعر طاهر أبو فاشا , غنتها أم كلثوم ولحنها لها الموسيقار كمال الطويل , وكذلك أنشدها الشيخ ياسين التهامي بألحانه وأسلوبه
مما لا شك فيه أن الشيخ ياسين التهامي يعد ظاهرة فريدة في عالم الغناء والطرب وفي عالم الإنشاد الديني خاصة , وذلك ما صرحت به الصحافة الأسبانية حيث أطلقت عليه ( ياسين العظيم ظاهرة الشرق ) وقريب من هذا مقال نشر بمجلة نصف الدنيا المصرية عنوانه ( ظاهرة في مصر اسمها ياسين التهامي ) 000
والمتأمل في قصة حياة هذا الرجل يجد فيها موافقات متعددة وأوجه شبه كثيرة بينه وبين العملاقة سيدة الغناء العربي السيدة أم كلثوم , فكلاهما قد حقق معادلة صعبة في عالم الفن والغناء فمن السهل أن يصل الإنسان إلى الشهرة والنجاح , أما الصعب هو أن يحافظ الإنسان على هذا النجاح وأن يقدر على صنع أرضية ثابتة يجتمع عليها المثقفون وعامة الناس والأميون وأن يقدم فنا تتفق عليه كل الأذواق هذه المعادلة الصعبة لم تتحقق في عالم الغناء بكل أجناسه إلا مع أم كلثوم , ثم جاء ياسين التهامي من قلب الصعيد بصوت دافئ ينقل أشعار المتصوفة العظام ( الحلاج وابن الفارض والسهروردي ورابعة العدوية والجيلي ) جاء بصوته الذي يجمع بين وهج حرارة الصعيد وألق شعراء لم يجد الزمان بمثلهم يصدح بصوت العشق والهوى ويغرد للأرواح العطشى للرحيل خلف صبابة الحب الإلهي
ويمكن أن نرصد بعض أوجه الشبه بين الظاهرتين ( أم كلثوم وياسين التهامي ) وذلك من عدة نواحي :
عند ظهور السيدة أم كلثوم وانطلاقها في عالم الغناء في مطالع العشرينات من القرن الماضي كانت هناك على الساحة ملكة متوجة للغناء هي سلطانة الطرب ( منيرة المهدية ) 0
ومن الموافقات الطريفة أن يكون ظهور الشيخ ياسين وبدايته في مجال الإنشاد الديني في وجود عملاق في هذا الفن له جمهوره العريض وله محبوه في كل مكان من أرض مصر ؛ هذا العملاق هو الشيخ أحمد التوني , وهو ابن قرية الحواتكة أيضا وله دوره ومدرسته في فن الإنشاد الديني , وهو – كما وصف في كتاب الهلال عدد ديسمبر 1995 - " أحد أعلام الإنشاد وصاحب الصوت الدافئ الأجش الذي يذكرنا بصوت الشيخ زكريأحمد "
ولكن الشيخ ياسين في ظل وجود الشيخ أحمد التوني نجده يسلك مسلكا متفردا بعيدا عن أسلوب الشيخ التوني , ويصبح بهذا الأسلوب صاحب مدرسة أخرى هي إحدى مدرستين للإنشاد الديني في مصر
وجه الشبه الثاني بين التهامي وأم كلثوم هو ارتقاء كل منهما بالفن الذي التحق به فأم كلثوم عند ظهورها كانت تنتشر موجة من الأغاني الهابطة الركيكة التي لا ترقى إلى المستوى الذوقي المطلوب , حتى الأغاني التي اشتهرت بها سلطانة الطرب ( منيرة المهدية ) كانت خالية من الكلمة الهادفة وإنما كانت تغني كلاما عندما تسمعه يطربك صوتها الجميل ولكن دون حس ينقله إليك ولا شعور يبثه فيك ولا يمكن أن يكون له وقع لديك , فقد كانت تغني لتطرب أذنك وحاستك المادية فقط , كما كانت ( السلطانة ) عامية النطق والإشارة عاميةالمفاهيم
فبينما كانت تتغنى بأشهر أغانيها
أوعى تكلمني بابا جي ورايا
يآخد باله مني يـزعـل ويايا
أو أغنيتها التي تقول فيها
متخافش علـيّا ده أنا واحده سبوريا
في العشق يا إنت واخده الباكالوريا
بينما كانت تغني هذه الأغاني وغيرها من الأغاني ذات المستوى الذوقي الهابط تأتي أم كلثوم بكل ما أعطاها الله من صوت نادر في امتيازه سواء في الجمال أو في سلامة اللغة العربية وتنطلق بالغناء بقصيدة باللغة العربية الفصحى مثل
وحقك أنت المنى والطلب *** وأنت المراد وأنتا الأرب
ولي فيك يا هاجري صبوة *** تحير في وصفها كل صب
أو مثل قصيدة
غيري على السلوان قادر *** وسواي في العشاق غادر
لي في الغـرام ســـــريرة *** والــله أعـــــلم بالسـرائـر
ومع هذا فقد أبهرت الجميع ونجحت مع وجود كل هذه العقبات , واستطاعت أن تنقل الشعب الذي تعود على استماع الأغاني العامية التي لا هدف منها إلى استماع القصائد الجادة
وإذا نظرنا إلى الشيخ ياسين التهامي نجده أيضا قد ظهر في فترة مظلمة لفن الإنشاد الديني , لم يكن فيها كثير من الأسماء المشهورة ولم يكن لهذا الفن أي أثر يذكر , وكان المسيطر على هذا الفن – كما قلنا – هو الشيخ أحمد التوني الذي ورث هذا الفن عن سابقين من أمثال الشيخ الغنيمي والشيخ الشبيتي وآخرين
ولكن الإنشاد في هذه الفترة كان يأخذ طابعا عاميا بسيطا يعتمد على لحن معين أو نغمة معينة يلتزم بها المنشد ولا يغيرها مع اعتماده في أغلب الأحيان على الكلام العامي
يقول الشيخ الغنيمي في بعض أناشيده
عجبي على ناس لا صاموا ولا صلوا
وعدوا البحر ع المنديل ما ابـــتلوا
وفي آخر الليل في حرم النبي صلوا
ويقول الشيخ أحمد التوني في بعض أناشيده
رنيــت يا كاس قلى ســبب رنك
رنــيت وحدك ولا الهوى رنـــــــك
يا ساهر الليل قوم حرص على دنك
لحسن يقوموا السهارى يشربوه منك
ولم يستهو هذا النوع من الكلام الشيخ ياسين التهامي , ولكنه قرر أن يرتقي بهذا الفن ويدخل فيه ما حفظه في صباه من كلام أعلام الصوفية الكبار الذين يمدح في ساحاتهم فنجده بدأ في أولى حفلاته بقصيدة للسهروردي مطلعها
أبدا تحن إليكم الأرواح *** ووصالكم ريحانها والراح
أو نجده يتغنى بقصيدة لسلطان العاشقين سيدي عمر بن الفارض مثل
ما بين معترك الأحداق والمهج *** أنا القتيل بلا إثم ولا حرج
ومع أن هذا الكلام يصعب فهمه إلا على المتعلم الدارس لأصول اللغة العربية ؛ إلا أن التهامي بأسلوبه العذب وبإحساسه الذي يبلغ ذروته وهو في حالة الإنشاد نجد أن كل مستمعيه ينجذبون إليه ويتمايلون معه في نشوة ساحرة يرددون ما يسمعونه منه ولو لم يفهموا معناه إلا أنهم يحسونه
من الموافقات التي بين كوكب الشرق ونجم الشرق أن الشيخ ياسين قام بإنشاد بعض القصائد التي غنتها أم كلثوم ومن هذه القصائد
غيري على السلوان قادر *** وسواي في العشاق غادر
غنتها أم كلثوم وهي من كلمات سيدي عمر بن الفارض ولحنها لها الشيخ أبو العلا محمد وغناها الشيخ ياسين في كثير من حفلاته بألحانه
ما لي فتنت بلحظـك الفتـاك *** وسلوت كـــل ملــيحـة إلاك
يسراي قد ملكت زمام صبابتي *** ومضلتي وهداي في يمناك
كلمات الشاعر على الجارم غنتها أم كلثوم ولحنها لها الملحن الهاوي الدكتور صبري النجريدي وأنشدها أيضا الشيخ ياسين بألحانه
ولد الهدى فالكائنات ضياء *** وفم الزمان تبسم وثناء
رائعة أمير الشعراء أحمد شوقي وقد اختارت أم كلثوم بعض أبيات هذه القصيدة ولحنها لها الملحن العبقري رياض السنباطي , واختار منها الشيخ ياسين التهامي بعض الأبيات وأنشدها بألحانه
سلوا قلبي غداة سلا وثابا *** لعل على الجمال له عتابا
كلمات أمير الشعراء أحمد شوقي وقد لحنها لأم كلثوم العبقري رياض السنباطي أيضا . واختار الشيخ بعضا منها وأنشدها بألحانه
غريب على باب الرجاء طريح *** يناديك موصول الجوى وينوح
وهي كلمات الشاعر طاهر أبو فاشا , غنتها أم كلثوم ولحنها لها الموسيقار كمال الطويل , وكذلك أنشدها الشيخ ياسين التهامي بألحانه وأسلوبه