من طرف hanoville3 الأربعاء 4 فبراير - 15:07:44
الموطن الأصلي للغات السامية
اختلف علماء الساميات حول الموطن الأصلي للغة السامية الأم. ومن أشهر الآراء في هذا الباب تلك التي تقول إنه:
1-أرض إرمينية وكردستان: ويعتمد أصحاب هذا الرأي على أدلة دينية ولغوية توراتية. فقد ورد في العهد القديم أن سفينة نوح رست على جبل في إرمينية وقد عاش نوح وأبناؤه في هذه المنطقة، وقد لعن حام وأبعد منها، ورحل عنها يافث، وبقي فيها سام الذي نشأ أبناؤه هناك فيها، ومن ذريته كان أرفكشد. ويزعم هؤلاء أن في هذه المنطقة إقليم يسمى أربختس، وهذا الاسم ما هو إلا تغيير أرفكشد وهو أحد أبناء سام قائلين أنّ الفاء والباء حروف شفوية والكاف والخاء حروف متقاربة المخارج، أي أن أصل أربختس هو < أربخست < أرفكشد.
2- أرض بابل في العراق، أي جنوب العراق، وقد قال بهذا الرأي: إرنست رينان، ، وفرينـز هومل، وبيترز، وأغناطيوس جويدي، الذي يقول إن الكلمات المشتركة في النبات والحيوان والظواهر الجغرافية في اللغات السامية تناسب بيئة جنوب العراق وبلاد بابل. فمثلا كلمة نهر موجودة في الأكادية والعبرية والآرامية والعربية والسبئية والأثيوبية بينما بعض هذه اللغات لا يوجد أنهار بأرضها كالعربية، فالجزيرة تخلو من مثل هذه الظاهرة الجغرافية. ويتساءل من أين جاء هذا اللفظ في العربية. يقول لا جواب لهذا في رأيه إلا أن يكون العرب قد عرفوا النهر من قبل، وكان في لغتهم وبقي فيها بعد أن انتقلوا من موطنهم الأصلي. كذلك يزعم أن الجبل له كلمات مختلفة في اللغات السامية: في الآرامية طورا، وفي الأكادية شادوا، وفي العبرية صر، وفي العربية جبل، وهذا في رأيه يعود إلى أنهم لم يعرفوا هذه الظاهرة في موطنهم الأول، وعندما تفرقوا في البلاد التي فيها جبال كل منهم وضع له لفظا مختلفا عن الآخر.
ومن الانتقادات التي وجهت إلى هذا الرأي:
أ- هناك وثيقة تبين أن أحد الملوك الساميين في العراق وهو الملك سرجون الأكادي 2600 ق.م كتب عن أصله في نقش مشهور يفهم منه أنه وعشيرته قد جاءوا إلى العراق من شرقي جزيرة العرب.
ب- هناك وثائق كثيرة تدل على أن أرض العراق كانت أرضاً غير سامية في الأصل حيث كانت موطناً للسومريين وهم جنس غير سامي، ولهم عادات ولغة وملامح غير سامية.
ج- إن وجود كلمة نهر في جميع اللغات السامية مع عدم وجود نهر في بعض المناطق ليس دليلاً قويا، لأن الجزيرة العربية كانت في قديم الزمان بلادا خصبة ذات أنهار وجنان. وأما اختلافهم في كلمة جبل فلا دليل يستفاد منه لأننا نراهم اختلفوا في كلمة رجل ، وقمر ولا يستطيع أن يزعم زاعم أنهم لم يعرفوا مسمياتها إلا بعد رحيلهم من بابل.
3- أرض إفريقيا : التي قد انتقلوا منها إلى آسيا منها. وقد قال بهذا الرأي المستشرق البريطاني بارتون ونولدكه، مدللا عليه الأخير بوجود تشابه بين اللغات الحامية واللغات السامية. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: كيف اختفت اللغات السامية من أفريقيا ما عدا الحبشية القريبة من جزيرة العرب؟ إن ما يتكلم عنه نولدكه مرحلة موغلة في القدم تعود إلى ما قبل العائلة الحامية السامية. هذه الدلائل اللغوية غير واضحة والتشابه لا يعني أن الأصل لا بد أن كان في إفريقيا. لم لا يكون أصل الحاميين والساميين في جزيرة العرب ثم انتقل الحاميون إلى إفريقيا ؟
4- شمال سورية بلاد آمورو كما كانت تسمى في النقوش القديمة. ويحتج المستشرق الأمريكي كلاي بوثائق تقول إن الأسرة البابلية الأولى قد جاءت إلى العراق نازحة من الغرب من إقليم آمورو في سورية، ويشير كلاي إلى بعض التشابه بين الأساطير العراقية والأساطير الفينيقيية وأساطير الساميين في بلاد سورية. هذا التشابه في الخرافات والأساطير لا يقوم دليلا لأن هناك تأثيرات متبادلة بين الإقليمين. ثم كيف يمكننا أن نبرر انتقال الإنسان من بيئة غنية بالنبات والزراعة والمياه والطقس اللطيف إلى مناطق قاحلة. ثم كيف استطاعوا قطع الصحراء قبل استئناس الجمال التي لم يثبت استئناسه إلا في أواخر الألف الثالث قبل الميلاد.
5- جزيرة العرب (اليمن خاصة): قال بهذا عدد من المستشرقين مثل إيراهارد شرادر وأيده من بعد فنكلر، وتيله، والأب فنسان، والأثري الفرنسي جاك دي مورجان، والمستشرق الإيطالي كايتاني، الذين يرون أن الموطن الأصلي للساميين كان شبه الجزيرة العربية."[3] وهذا ما أكده إسرائيل ولفنسون, ويؤيد هذا الرأي الأمور التالية: (أ) إن انتقال البشر من المناطق القاحلة إلى الخصبة أمر منطقي تماما. أما القول بعكسه فليس له ما يؤيده من ناحية العقل أو التاريخ. (ب) إن العربية تحتفظ بكثير من السمات اللغوية للغة السامية الأم بينما فقد هذه السمات كثير من اللغات السامية المحاذية لأقوام غير سامية، ومن يحتفظ بالسمات الأولى هو أولى بالأصل من غيره، ولا يعقل أن يكون العرب قد انتقلوا من مناطق لأقوام غير سامية ثم جاءوا إلى جزيرة العرب وبقوا محتفظين بسماتها القديمة. (ج) وجود سمات مشتركة بين العبرية والسبئية، يؤكد هذا ما ذهب إليه مرجوليوث من أن الوطن الأصلي لبني إسرائيل هو بلاد اليمن وليس شبه جزيرة سيناء، وقد اعتمد في رأيه هذا على بعض الخصائص اللغوية المشتركة بين السبئيّة والعبرية، إلى جانب اعتماده على تشابه العادات والتقاليد والأخلاق الدينية عند السبئيين وبني إسرائيل. (د) وجود علاقة بين أسماء بعض الآلهة السامية في الأساطير البابلبية مثل تيامت، وهي آلهة وثنية تهيمن على السواحل، واسم ساحل تهامة وهو ساحل البحر الأحمر في غرب الجزيرة العربية. وعلاقة لغوية بين الأسماء الدينية في التوراة والقرآن الكريم كجنة عدن وبلاد عدن في جنوب الجزيرة العربية.