كراهية البعض في الغرب الأوروبي للإسلام ، وبالذات الاحزاب اليمينية ، ليست وليدة الساعة ، كما أنها ليست وليدة الصدفة ، بل تمتد جذورها إلى الحروب الصليبية ، حيث تم أدلجتها ، لتصبح حرباً دينية سياسية في آن واحد ، أو بالأحرى تم إلباسها لبوس الدين ، لتبرير هذه الحرب ، وكسب تعاطف العامة في أوروبا ، بعد أن وجد الأمراء الاوروبيون ، أن هذه الحرب كافية لحل معظم المشاكل التي يعانون منها ، وخاصة وقف الحرب فيما بينهم ، والاستيلاء على ثروات الشرق ، واستئصال "الكفار" كما كانوا يطلقون على المسلمين حينذاك ، وإعادة القبر المقدس للحظيرة المسيحية.
وجاء التجييش الغربي ضد العرب والمسلمين ، إبان وبعد انتهاء الحرب الباردة ، ليجد التربة الخصبة لتجذير الكراهية ضد المسلمين والإسلام ، ومن هنا فحينما سقطت الشيوعية ، والأنظمة الشمولية ، لم يجد الغرب مفرا من خلق عدو جديد له ، وهو العدو الأخضر "الإسلام" ، بدلا من العدو "الأحمر" الشيوعية ، لأسباب كثيرة أهمها ، في تقديرنا ، الاستيلاء على ثروات المنطقة ، وإمكاناتها الهائلة ، والعمل وبكل وسيلة للإبقاء على العالم الإسلامي ، الكبير جدا بمساحاته وعدد سكانه ، والمهم جدا بموقعه ، وثرواته وحضارته ، ممزقا ، من خلال زرع الكيان الصهوني كجسم غريب في خاصرة العالم العربي ، وكجسر للغرب والامبريالية ، والعمل على تغذية الصراعات والانقسامات الأثنية والطائفية والمذهبية.. الخ.
ومن يتابع تاريخ المنطقة منذ نهاية الحرب الكونية الثانية ، وحصول الدول العربية على الاستقلال ، يجد أنها فشلت في تحقيق معظم إن لم يكن كافة طموحاتها ، فلم تقض على الأمية الجهل والمرض ، ولم تقم مجتمع الرفاهية ، ولم تحرر الأرض المغتصبة ، ولم تحم أمنها الوطني والقومي ، ولم تستطع أن تقيم الحكم الرشيد ، أو الديمقراطية التعددية الحقيقية.. الخ ، للاسباب الانفة الذكر.
وعودة إلى ما بدأنا به ، نجد أن حملة الكراهية هذه ، لم تكتف بما أشرنا إليه ، بل وصلت إلى كافة المجتمعات الأوروبية وأميركا ، واتخذت أشكالا خطيرة ، وصلت إلى حد اعتبار الإسلام أيدلوجية خطيرة ، يجب استئصالها ، كما يطالب حزب الحرية في هولندا ، وكما تطالب بعض الأحزاب اليمينية ، بطرد المسلمين من هذه القارة.
وفي تقديرنا ، فإن الحملة على الحجاب والنقاب ، ليست مقصودة بحد ذاتها ، إنما هي جزء من حملة ممنهجة ، تهدف إلى دفع المسلمين إلى مغادرة أوروبا ، بعد التضييق الشديد عليهم ، والذي وصل إلى مظاهر عدائية غير مسبوقة.
وفي هذا الصدد لا بد من الإشارة ، إلى أن نتائج الدراسات التي أجريت حول مستقبل المسلمين في أوروبا ، بعد خمسين عاما ، أثارت الرعب ، وكانت سبباً من أسباب ارتفاع وتيرة حملة الكراهية ، إذ أكدت هذه الدراسات تزايد أعداد المسلمين بصورة كبيرة ، في ظل تراجع الإنجاب في أوروبا ، إلى درجة أن بعض المدن أصبحت تعاني من نقص عدد السكان ، وأن المصانع تعاني من غياب فئة الشباب ، بعد أن أصبح كبار السن هم الغالبية ، ونذكر بخبر نشر قبل فترة وجيزة ، بأن مدينة "جنوا" أقامت احتفالاً كبيرا بمناسبة قدوم مولود جديد ، إذ مضى على المدينة عشر سنوات دون إنجاب أي طفل.
حملة الكراهية على الإسلام لن تنتهي وستستمر ، لأن لهذا جذورها التاريخية الصليبية وجاءت الصهيونية لتصب الكاز على النار ، لتأجيج هذا الوباء ، والذي يستدعي مجابهة حقيقية للجمه ، وذلك بتمسك المسلمين في أوروبا بخيار الديمقراطية ، للدفاع عن حقوقهم ، المدنية والسياسية ، والأخذ بأسباب العلم والتقدم ونبذ كافة أسباب الكراهية ، والإرهاب.
التاريخ : 05-07-2010
جريدة الدستور - العدد رقم 15138 الاثنين 22 رجـب 1431هـ الموافق 5 تموز 2010 م