لكل مناسبة من المناسبات العربية نوع معين من الطعام يرتبط بتلك المناسبة ، وفي رمضان يرتبط الناس بالكنافة
والقطايف وكافة أصناف الحلويات الشرقية وهذه الحلويات ضاربة بجذورها في المجتمعات العربية وخصوصا مصر وبلاد
الشام ولها تاريخ طويل يحكي عراقة الأصل .
وكانت الكنافة على سبيل المثال زينة لموائد الملوك والأمراء وأصل تسميتها بالمعنى الحالي يرجع إلى الدولة الفاطمية
، وكان كل إنسان يصبو إليها وهي ألذ ما تتزين به موائد رمضان، لطعمها وفوائدها وطيبتها.
من أين أشتق اسم كنافة :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الكنافة اسم عربي أصيل وتعنى : الظل، والصون، والحفظ، والستر، والحضن، والحرز، والجانب، والرحمة ، فكنف الله:
تعنى حرزه ورحمته
والكنافة من نعم الله، والنعمة رحمة وحرز، ومن أكل الكنافة خف ظله، وعذب منطقه، وكثر بهاؤه، وربا لحمه، وصفا
شحمه، وزال سقمه.
وقد بدأت الكنافة طعاماً للخلفاء ، إذ تُشير الروايات إلى أن أول من قُدم له الكنافة هو معاوية بن أبى سفيان زمن
ولايته للشام ، كطعام للسحور لتمنع عنه الجوع الذي كان يحس به ، وقد قيل إنها صنعت خصيصاً لمعاوية بن أبي
سفيان معاوية، وذهب بعض الرواة إلى أن معاوية صنعها بنفسه فأطلق عليها لقب كنافة معاوية.
واتخذت الكنافة مكانتها بين أنواع الحلوى التي ابتدعها الفاطميون ، ومن لا يأكلها في الأيام العادية ، لابد أن
يتناولها خلال رمضان ، وأصبحت بعد ذلك من العادات المرتبطة بشهر رمضان في العصور الأيوبي والمملوكي والتركي
والحديث والمعاصر ، باعتبارها طعاماً لكل غنى وفقير مما أكسبها طابعها الشعبي .
الحواديت الشعبية عن مؤثرات الكنافة الرمضانية على قلوب الأزواج :-
من الحكايات القديمة التي يتداولها الناس ، بأن أحد الرجال غضبت عليه زوجته فغادرت منزله إلى بيت أهلها ، وبقيت
فيه شهوراً سعى خلالها المصلحون ففشلوا في إصلاحهما، فدخل شهر رمضان المبارك، وذكر الزوج زوجته وكنافتها
وعلمت الزوجة ، وتذكرت حب زوجها لها ولكنافتها فبعثت إليه بصينية كنافة كان تأثيراً أكبر من تأثير المصلحون ، فما
كاد الزوج يتلقاها حتى ابتهج وحملها ومضى بها إلى بيت زوجته ليفطر معها، فما كادت تراه مقبلاً حتى هرعت إلى
باب البيت تستقبله مع مدفع الإفطار الذي كان قد انطلق في تلك اللحظة فجلسا معاً يتناولا طعام الإفطار في لحظات
سعيدة هانئة. لذا ننصح وفي هذه الأيام المباركة لكل متخاصم مع زوجته أن يهديها أو تهديه طبقاً من الكنافة !
وتبدع كل بلد في طريقة صنع الكنافة وحشوها، فأهل الشام يحشونها بالقشطة ، وأهل مكة المكرمة يحشونها جبناً
بدون ملح ، وكنافة الجبن المفضلة لديهم على باقي الأنواع، وأهل نابلس برعوا في كنافة الجبن حتى اشتهرت وعرفت
بالكنافة النابلسية.
وتبقى بلاد الشام هي الأشهر في صنع الكنافة، فهم برعوا بصناعتها فهناك المبرومة والبللورية والمغشوشة
والعشملية والمفروكة، وغير ذلك من الأنواع وهي تحشى بالإضافة للقشطة باللوز والفستق الجوز،وتسقى بعسل النحل
والسكر المعقود المضاف إليه ماء الورد
القطايف ومنافسته مع الكنايف : نظرة تاريخة وأدبية :-
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] | إنقر هنا لعرض الصورة بالمقاس الحقيقي |
أما القطايف ، فهي عرفت في العصر العباسي وفي أواخر العصر الأموي ،وتفيد الآثار أن العرب يتفننون بصناعتها
بإعداد فرن صغير مرتفع عن الأرض بحوالي 40 سم خصيصاً لعمل القطايف ، ، ويوضع عليه صينية من حجر الزهر ، كما
يُستخدم أيضاً حلة ومصفاة للعجين وكبشة ومقطع (سكينة الحلوانى) لرفع أقراص القطايف بعد تسويتها ،بالإضافة إلى
قُمع صغير يوضع فيه العجين السائل.
الكنافة والقطايف يتنافسان على مائدة الشعر العربي : -
لقد عرفت القطائف بأن هناك عداوة بينها وبين الكنافة كما ذكر فى الثقافة العربية وبخاصة في الشعر ، حيث تغنى
بها شعراء بني أمية ومن جاء بعدهم ومنهم ابن الرومي الذي عُرف بعشقه للكنافة والقطايف ، وسجل جانباً من هذا
العشق في أشعاره ، كما تغنى بها أبو الحسين الجزار أحد عشاق الكنافة والقطايف فى الشعر العربي إبان الدولة
الأموية وكان مما قاله فيها :-
ومالي أرى وجه الكنافة مُغضباً ولولا رضاها لم أرد رمضانها
تُرى اتهمتني بالقطايف فاغتدت تصُدُ اعتقاداً أن قلبي خانهــا
ومُذ قاطعتني ما سمعت كلامها لأن لساني لم يُخاطب لسانهـا
ولا عجب أن ترد الكنافة والقطايف في قصائد رواد الشعر العربي أمثال : ابن نباته الشاعر المصري المعروف ، والإمام ا
البوصيرى صاحب البردة ، وأبو الهلال العسكري ، والسراج الوراق ، والمر صفى ، وصلاح الدين الصفدى ، وسيف
الدين بن قزل ، وزين القضاة السكندري.. إلى جانب الشعراء والأدباء المصريين في العصر الحديث يبينها الشعر العربي
القديم.
ويظهر هذا جلياً في شعر ابن عينين وهو يصور هذا الخصام فيقول:-
غدت الكنافة بالقطائف تسخر -
وتقول: إني بالفضيلة أجدر -
طُويت محاسنها لنشر محاسني -
كم بين ما يطوى وآخر ينشر-
فحلاوتي تبدو وتلك خفية -
وكذا الحلاوة في البوادي أشهر
ويقول الشاعر المصري ابن رفاعة نائب الأمير ناصر الدولة في الكنافة:
وافي الصيام فوافتنا كنافته -
كما تسنمت الكثبان من كثب
وكانت الكنافة في ذلك الحين وقفاً على الأغنياء دون الفقراء فهي طعام الملوك والأمراء والأثرياء وعلية القوم، ومن
نفاستها وغلاتها وندرتها استهداها الشاعر المصري الجزار من أحد الرجال الأغنياء اسمه شرف الدين فقال:
أيا شرف الدين الذي فيض جوده -
براحته قد أخجل الغيث والبحرا -
لئن أمحلت أرض الكنافة إنني -
لأرجو لها من سحب راحتك القطرا -
فعجل بها جوداً فما لي حاجة -
سواها نباتاً يثمر الحمد والشكرا
وما أكثر ما قيل في الكنافة مدحاً يقول الشاعر:
لم أنس ليلات الكنافة قطرها –
هو الحلو إلا أنه السحب الفرُّا-
تجود على كفي فاهتز فرحة -
كما انتفض العصفور بلله القطر
أبد ع الشعراء في حبهم للحلويات وعبروا عن ذلك في شعرهم الغني بالطرافة وخاصة حين تجتمع القطائف والكنافة
على مائدة واحدة يقول الشاعر سعد بن العربي وقد تأتى له ذلك:
وقطائف مقرونة بكنافة --
من فوقهن السكر المدرور--
هاتيك تطربني بنظم رائق --
ويروقني من هذه المنشور --
والشاعر أبا الحسن يحيى الجزار الذي كان محباً للكنافة التي قال فيها:
ومالي أرى وجه الكنافة مغضباً --
ولولا رضاها لم أرد رمضانها --
ثم قال داعياً:
سقى الله أكناف الكنافة بالقطر --
وجاد عليها سكراً دائم الدر كل عام وانتم بخير ورمضان كريم