صغيري.. وسيدنا عمر..(رائعة)
10/04/17 02:06:17
بقلم/ عاصم عبد الماجد
كان شيء من خوف ممتزج بوجوم يكسو وجه زوجتي عندما فتحت لي الباب ظهر اليوم.
سألتها:ماذا هناك
قالت بصوت مضطرب: الولد
أسرعت إلى غرفة أطفالي الثلاثة منزعجاً فوجدته فوق السرير منزوياً في انكسار وفي عينيه بقايا دموع.
احتضنته وكررت سؤالي.
ماذا حدث؟
لم تجبني .. وضعتُ يدي على جبهته .. لم يك هناك ما يوحي بأنه مريض .
سألتها ثانية:
ماذا حدث؟!
أصرت على الصمت.. فأدركت أنها لا تريد أن تتحدث أمام الطفل الصغير.. فأومأت إليها أن تذهب لغرفتنا وتبعتها إلى هناك بعد أن ربت فوق ظهر صغيري .
عندما بدأت تروي لي ما حدث منه وما حدث له أيضاً هذا الصباح بدأت أدرك .
فالقصة لها بداية لا تعرفها زوجتي.. هي شاهدت فقط نصفها الثاني.. رحت أروي لها شطر القصة الأول كي تفهم ما حدث ويحدث.
القصة باختصار أني أعشق النوم بين أطفالي الثلاثة أسماء وعائشة وهذا الصبي الصغير .
وكثيراً ما كنت أهرب من غرفة نومي لأحشر نفسي بقامتي الطويلة في سريرهم الصغير.. كانوا يسعدون بذلك وكنت في الحقيقة أكثر سعادة منهم بذاك .
بالطبع كان لابد من حكايات أسلي بها صغاري .. كانت أسماء بنت الثمانية أعوام تطالبني دائماً بأن أحكي لها قصة سيدنا يوسف .
وأما فاطمة فكانت تحب سماع قصة موسي وفرعون أو الرجل الطيب والرجل الشرير كما كانت تسميهما هي.
وأما صغيري فكان يستمع دون اعتراض لأي حكاية أحكيها سواء عن سيدنا يوسف أو عن سيدنا موسي .
ذات ليلة سألت سؤالي المعتاد سيدنا يوسف أم سيدنا موسي.. صاحت كل واحدة منها تطالب بالحكاية التي تحبها .. فوجئت به هو يصيح مقاطعاً الجميع:
(سيدنا عمر)
تعجبت من هذا الطلب الغريب.. فأنا لم أقص عليه من قبل أي قصة لسيدنا عمر.. بل ربما لم أذكر أمامه قط اسم عمر بن الخطاب.. فكيف عرف به.. وكيف يطالب بقصته .
لم أشأ أن أغضبه فحكيت له حكاية عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.. ارتجلت له هذه الحكاية بسرعة.
حدثته عن خروجه بالليل يتحسس أحوال رعيته وسماعه بكاء الصِبية الذين كانت أمهم تضع على النار قدراً به ماء وحصى وتوهمهم أن به طعاماً سينضج بعد قليل ليسدوا به جوعهم.
حدثته كيف بكي عمر وخرج مسرعاً.. ثم عاد وقد حمل جوال دقيق على ظهره وصنع بنفسه طعاماً للصبية .. فما تركهم حتى شبعوا وناموا .
نام صغيري ليلتها سعيداً بهذه الحكاية.. في الليلة التالية فوجئت بصغيري يعلن أنه سيحكي لنا قصة سيدنا عمر
قلت له مستهزئاً: أتعرف
أجاب في تحد : نعم
لا أستطيع أن أصف دهشتي وأنا أسمعه يحكيها كما لو كان جهاز تسجيل يعيد ما قلته.
في ليلة أخرى أحب أن يسمع حكايات ثانية لسيدنا عمر.. حكيت له حكاية ابن القبطي الذي ضربه ابن عمرو بن العاص.. وكيف أن عمر بن الخطاب وضع السوط في يد ابن القبطي وجعله يضرب ابن العاص .
في الليلة التالية أعاد على مسامعي حكايتي .. كان قد حفظها هي الأخرى.
وهكذا أمضينا قرابة شهر.. في ليلة أحكي له قصة عن عدل عمر.. أو عن تقواه.. أو عن قوته في الحق.. فيعيدها على مسامعي في الليلة التالية..
في إحدى الليالي فاجأني بسؤال غريب
هل مات سيدنا عمر؟
كدت أن أقول له – نعم مات !! .. لكني صمت في اللحظة الأخيرة فقد أدركت أنه صار متعلقاً بشخص عمر بن الخطاب.. وأنه ربما يصدم صدمة شديدة لو علم أنه قد مات.. تهربت من الإجابة.
في الليلة التالية سألني ذات السؤال تهربت أيضاً من الإجابة.
بعدها بدأت أتهرب من النوم مع أطفالي كي لا يحاصرني صغيري بهذا السؤال..
صباح اليوم خرج مع والدته.. في الطريق لقي امرأة وعلى كتفها صبي يبكي كانت تسأل الناس شيئاً تطعم به صغيرها، فوجئ الجميع بصغيري يصيح بها
لا تحزني سيأتي سيدنا عمر بطعام لك ولصغيرك
جذبته أمه بعد أن دست في يد المرأة بعض النقود.
بعد خطوات قليلة وجد شاباً مفتول العضلات يعتدي على رجل ضعيف بالضرب بطريقة وحشيه .. صاح صغيري في الناس كي يحضروا سيدنا عمر ليمنع هذا الظلم.
فوجئت أمه بكل من في الطريق يلتفت نحوها ونحو صغيري .. قررت أن تعود إلى المنزل بسرعة.. لكن قبل أن تصل إلى المنزل اعترض طريقها شحاذ رث الهيئة وطلب منها مساعدة .
دست في يده هو الآخر بعض النقود وأسرعت نحو باب المنزل لكنها لم تكد تصعد درجتين من السلم حتى استوقفها زوجة البواب لتخبرها أن زوجها مريض في المستشفي وأنها تريد مساعدة.
هنا صاح صغيري بها
هل مات سيدنا عمر؟!
عندما دخلت الشقة كان صوت التلفاز عالياً كان مذيع النشرة يحكي ما فعله اليهود بالقدس ومحاصرتهم للمسجد الأقصى.
أسرع صغيري نحو التلفاز وراح يحملق في صورة الجنود المدججين بالسلاح وهم يضربون المصلين بقسوة بالهراوات والرصاص المطاطي التفت نحو أمه وهو يقول:
مات إذن سيدنا عمر !!
راح يبكي ويكرر
مات سيدنا عمر
دفع صغيري باب الغرفة صمتت أمه ولم تكمل الحكاية.. لم أك محتاجاً لأن تكملها فقد انتهت.
توجه صغيري نحوي بخطوات بطيئة وفي عينية نظرة عتاب
مات سيدنا عمر؟
رفعته بيدي حتى إذا صار وجهه قبالة وجهي رسمت على شفتي ابتسامه وقلت له
أمك حامل .. ستلد بعد شهرين .. ستلد عمر ..
صاح في فرح : سيدنا عمر
قلت له: نعم.. نعم ستلد عمر
ضحك بصوت عالٍ وألقي نفسه في حضني وهو يكرر
سيدنا عمر .. سيدنا عمر
حبست دموعي وأنا أترحم على عمر.
منقول
10/04/17 02:06:17
بقلم/ عاصم عبد الماجد
كان شيء من خوف ممتزج بوجوم يكسو وجه زوجتي عندما فتحت لي الباب ظهر اليوم.
سألتها:ماذا هناك
قالت بصوت مضطرب: الولد
أسرعت إلى غرفة أطفالي الثلاثة منزعجاً فوجدته فوق السرير منزوياً في انكسار وفي عينيه بقايا دموع.
احتضنته وكررت سؤالي.
ماذا حدث؟
لم تجبني .. وضعتُ يدي على جبهته .. لم يك هناك ما يوحي بأنه مريض .
سألتها ثانية:
ماذا حدث؟!
أصرت على الصمت.. فأدركت أنها لا تريد أن تتحدث أمام الطفل الصغير.. فأومأت إليها أن تذهب لغرفتنا وتبعتها إلى هناك بعد أن ربت فوق ظهر صغيري .
عندما بدأت تروي لي ما حدث منه وما حدث له أيضاً هذا الصباح بدأت أدرك .
فالقصة لها بداية لا تعرفها زوجتي.. هي شاهدت فقط نصفها الثاني.. رحت أروي لها شطر القصة الأول كي تفهم ما حدث ويحدث.
القصة باختصار أني أعشق النوم بين أطفالي الثلاثة أسماء وعائشة وهذا الصبي الصغير .
وكثيراً ما كنت أهرب من غرفة نومي لأحشر نفسي بقامتي الطويلة في سريرهم الصغير.. كانوا يسعدون بذلك وكنت في الحقيقة أكثر سعادة منهم بذاك .
بالطبع كان لابد من حكايات أسلي بها صغاري .. كانت أسماء بنت الثمانية أعوام تطالبني دائماً بأن أحكي لها قصة سيدنا يوسف .
وأما فاطمة فكانت تحب سماع قصة موسي وفرعون أو الرجل الطيب والرجل الشرير كما كانت تسميهما هي.
وأما صغيري فكان يستمع دون اعتراض لأي حكاية أحكيها سواء عن سيدنا يوسف أو عن سيدنا موسي .
ذات ليلة سألت سؤالي المعتاد سيدنا يوسف أم سيدنا موسي.. صاحت كل واحدة منها تطالب بالحكاية التي تحبها .. فوجئت به هو يصيح مقاطعاً الجميع:
(سيدنا عمر)
تعجبت من هذا الطلب الغريب.. فأنا لم أقص عليه من قبل أي قصة لسيدنا عمر.. بل ربما لم أذكر أمامه قط اسم عمر بن الخطاب.. فكيف عرف به.. وكيف يطالب بقصته .
لم أشأ أن أغضبه فحكيت له حكاية عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.. ارتجلت له هذه الحكاية بسرعة.
حدثته عن خروجه بالليل يتحسس أحوال رعيته وسماعه بكاء الصِبية الذين كانت أمهم تضع على النار قدراً به ماء وحصى وتوهمهم أن به طعاماً سينضج بعد قليل ليسدوا به جوعهم.
حدثته كيف بكي عمر وخرج مسرعاً.. ثم عاد وقد حمل جوال دقيق على ظهره وصنع بنفسه طعاماً للصبية .. فما تركهم حتى شبعوا وناموا .
نام صغيري ليلتها سعيداً بهذه الحكاية.. في الليلة التالية فوجئت بصغيري يعلن أنه سيحكي لنا قصة سيدنا عمر
قلت له مستهزئاً: أتعرف
أجاب في تحد : نعم
لا أستطيع أن أصف دهشتي وأنا أسمعه يحكيها كما لو كان جهاز تسجيل يعيد ما قلته.
في ليلة أخرى أحب أن يسمع حكايات ثانية لسيدنا عمر.. حكيت له حكاية ابن القبطي الذي ضربه ابن عمرو بن العاص.. وكيف أن عمر بن الخطاب وضع السوط في يد ابن القبطي وجعله يضرب ابن العاص .
في الليلة التالية أعاد على مسامعي حكايتي .. كان قد حفظها هي الأخرى.
وهكذا أمضينا قرابة شهر.. في ليلة أحكي له قصة عن عدل عمر.. أو عن تقواه.. أو عن قوته في الحق.. فيعيدها على مسامعي في الليلة التالية..
في إحدى الليالي فاجأني بسؤال غريب
هل مات سيدنا عمر؟
كدت أن أقول له – نعم مات !! .. لكني صمت في اللحظة الأخيرة فقد أدركت أنه صار متعلقاً بشخص عمر بن الخطاب.. وأنه ربما يصدم صدمة شديدة لو علم أنه قد مات.. تهربت من الإجابة.
في الليلة التالية سألني ذات السؤال تهربت أيضاً من الإجابة.
بعدها بدأت أتهرب من النوم مع أطفالي كي لا يحاصرني صغيري بهذا السؤال..
صباح اليوم خرج مع والدته.. في الطريق لقي امرأة وعلى كتفها صبي يبكي كانت تسأل الناس شيئاً تطعم به صغيرها، فوجئ الجميع بصغيري يصيح بها
لا تحزني سيأتي سيدنا عمر بطعام لك ولصغيرك
جذبته أمه بعد أن دست في يد المرأة بعض النقود.
بعد خطوات قليلة وجد شاباً مفتول العضلات يعتدي على رجل ضعيف بالضرب بطريقة وحشيه .. صاح صغيري في الناس كي يحضروا سيدنا عمر ليمنع هذا الظلم.
فوجئت أمه بكل من في الطريق يلتفت نحوها ونحو صغيري .. قررت أن تعود إلى المنزل بسرعة.. لكن قبل أن تصل إلى المنزل اعترض طريقها شحاذ رث الهيئة وطلب منها مساعدة .
دست في يده هو الآخر بعض النقود وأسرعت نحو باب المنزل لكنها لم تكد تصعد درجتين من السلم حتى استوقفها زوجة البواب لتخبرها أن زوجها مريض في المستشفي وأنها تريد مساعدة.
هنا صاح صغيري بها
هل مات سيدنا عمر؟!
عندما دخلت الشقة كان صوت التلفاز عالياً كان مذيع النشرة يحكي ما فعله اليهود بالقدس ومحاصرتهم للمسجد الأقصى.
أسرع صغيري نحو التلفاز وراح يحملق في صورة الجنود المدججين بالسلاح وهم يضربون المصلين بقسوة بالهراوات والرصاص المطاطي التفت نحو أمه وهو يقول:
مات إذن سيدنا عمر !!
راح يبكي ويكرر
مات سيدنا عمر
دفع صغيري باب الغرفة صمتت أمه ولم تكمل الحكاية.. لم أك محتاجاً لأن تكملها فقد انتهت.
توجه صغيري نحوي بخطوات بطيئة وفي عينية نظرة عتاب
مات سيدنا عمر؟
رفعته بيدي حتى إذا صار وجهه قبالة وجهي رسمت على شفتي ابتسامه وقلت له
أمك حامل .. ستلد بعد شهرين .. ستلد عمر ..
صاح في فرح : سيدنا عمر
قلت له: نعم.. نعم ستلد عمر
ضحك بصوت عالٍ وألقي نفسه في حضني وهو يكرر
سيدنا عمر .. سيدنا عمر
حبست دموعي وأنا أترحم على عمر.
منقول