[cكثيراً ما أري أنني مجرد حارث في البحر وراقم علي الماء وزارع في الفضاء وأن سيفي خشبي "والموس تلم والمخ ضلم" وأن أدواتي بدائية ولا طاقة لي بجالوت وجنوده.. وأن صوتي مبحوح في الزحام والضوضاء وأنني خارج الزمن.. وأن الحكاية "موش مستاهلة وجع دماغ" وأن الأمة مصممة ولديها سبق إصرار وترصد علي الاندفاع نحو الهاوية.. وأن الهابط أسرع من الصاعد.. وأنه لا عبقرية ولا مشقة ولا عناء في النزول والانحدار إلي أسفل لكن المعاناة والمكابدة في الارتقاء والصعود.. وأي أبله يمكنه "بزقة" خفيفة أن يدفع أمة بأكملها إلي الدرك الأسفل من الهوان.. لكن أحداً مهما أوتي من القوة والحكمة وفصل الخطاب ليس بمقدوره أن يصعد بأمة أخلدت إلي الأرض إلي أعلي ولو لمترين.
كثيراً ما أري أن دعاة الإصلاح ومدعيه أكثر حماقة وأشد خطراً من المفسدين.. لأن مدعي الإصلاح مفسدون ولا يشعرون.. ويتبعهم الناس دون أن يدركوا أنهم أشد خطراً عليهم من المفسدين الصرحاء.. وكثيراً ما أري أن المعركة الحقيقية يجب أن تكون مع مدعي الإصلاح لا مع المفسدين.. وهي معركة خاسرة لمن أراد خوضها لأنه سيواجه غفلة الجماهير وتغفيل الشعوب العربية وسكرتها التي تشبه سكرة الموت.. فإذا أردت نشر الرذائل والفساد فليكن جنودك دعاة ومدعي الاصلاح.. الذين ينشرون الكوارث بأدوات الإصلاح ويشيعون الخراب بوسائل الإعمار.
والذين يدعون التدين والغيرة علي العقائد هم الذين خلقوا الفتنة الطائفية وجعلوا منا مسلمين ونصاري متصارعين.. وشطرونا إلي سُنة وشيعة متطاحنين وجعلوا لشرذمة قليلين نكرات من أهل النحل الباطلة صوتاً عالياً وقضايا متداولة وسلطوا الأضواء علي البهائية والقاديانية والبوذية والمجوسية.. فصارت الغلبة في الأرض والفضاء للهوام وأهل الباطل الذين بدوا كأنهم حملان وديعة مظلومة.
ولقد ركب التطرف والإرهاب والفتن فئة من البلهاء فأصبحوا مطايا يمتطيها الباطل إلي بغيته تماماً كما ألبس الدعاة الجدد والداعيات الجنس والفحشاء ثوب الدين والعلم.. وجعلوا للرذائل عناوين براقة مثل الثقافة الجنسية والمعاشرة الزوجية فحبسوا الإسلام في غرف النوم وصرت تشاهد البرامج الدينية كأنك تشاهد فيلماً جنسياً فجاً واختفي لدي الناس الحياء وتآلفوا مع قلة الأدب والتطاول علي القيم الدينية والمجتمعية ولم يعد أحد يشعر بالعار أو "الكسوف".. وكل ذلك بفضل وهمة مدعي الإصلاح والصلاح والمتحمسين للدين ببلاهة الدبة التي أرادت طرد الذبابة من علي وجه صاحبها فقذفته بحجر قضي عليه.
قلت لك إن أخطر ما بلغناه ولم يعد يصلح له طب ولا دواء هو أن الفسدة والفسقة وأهل الباطل غسلوا أيديهم تماماً من أفعال الفساد والفسق والباطل وتركوا المهمة لجنود بلهاء من مدعي الصلاح والإصلاح والحمية الدينية.. أهل الباطل والفساد لا يفسدون بأيديهم الآن وإنما يفسدون بالدعاة والعلماء والإعلاميين ومدعي التدين والباحثين عن نجومية وشهرة ولو علي أنقاض وأشلاء الأمة.. والناس في أمة العرب قتلهم الاعتياد والتآلف وتحول كل شيء إلي أمر عادي لذلك يكرهون الموضوعية والهدوء والمنطق ويريدون جنازة حارة ليشبعوا فيها لطماً حتي إذا كان الميت كلباً أجرب.
وبراعة الإعلام العربي وأهل الدعوة من الرجال والنساء وأهل النخبة والقمة تقاس بقدرتهم علي أن يجعلوا من جنازة الكلب الأجرب جنازة "مولعة".. لكن إذا كان الميت عظيماً ويستحق جنازة حارة فإنه لا فضل لهم ولا براعة.. والإعلامي الناجح هو الذي يستطيع جعل الناس يصرخون في جنازة الكلب الأجرب.
****
والقاسم المشترك الأعظم في التناول الإعلامي هو أن الميت دائماً كلب والسباق في الأرض والفضاء يكون علي من يستطيع أن يجعل جنازة الكلب الأجرب أكثر حرارة وسخونة واشتعالاً.. لذلك لابد أن تكون كل القضايا تافهة.. وأن تكون مثل الطعام الفاسد الذي انتهت مدة صلاحيته وبراعة الإعلامي تقاس بإخفاء فساد الطعام بمكسبات اللون والطعم والرائحة والبهارات الحارة حتي يأكل الناس الأطعمة الفاسدة ويقولوا: "كمان".. لا يهم أن يتسمموا أو يموتوا بعد حين لأن دمهم سيتفرق بين القبائل وتضيع معالم الجريمة ولا يعرف أحد من القاتل وتقيد القضية ضد مجهول أو يوجه الاتهام إلي أمثالنا ممن يحاولون إيقاظ الأمة الميتة.. وعلاجها من إدمان كل ما هو فاسد ومن الرقص واللطم والندب في جنازة الكلب الأجرب.
تلك أمة حرمها الله الحكمة ورفع منها ومن أهلها الكياسة والفطنة غضباً وسخطاًَ من الله عز وجل علينا.. فقد رزقنا الجدل وسوء العمل.. أعطانا طلاوة وحلاوة القول ومرارة الفعل.. جعلنا نمضي في غينا وطغياننا نعمه ونتخبط وتأخذنا العزة بالإثم.. جعلنا الله مراكب ومطايا يركبها الباطل لينتشر ويشيع ويمتطيها الفساد ليملأ الآفاق.. وأنا لست معنياً بقتل الباطل وإبادة الفساد ولكني معني بما هو صعب حتي المستحيل.. معني بقتل وحرق حمير ومراكب الباطل من الذين يدعون أنهم يدافعون عن الحق.
غضب الله علينا ولعننا حين جعل الأخيار وأهل الحق ودعاة الإصلاح بلهاء وحمقي "وبريالة" حتي إنهم صاروا جنود الفساد ولا يفقهون.. وجعل أهل الباطل والفساد والكفر والرذائل عقلاء وذوي كياسة وفطنة وهدوء وابتسامات عريضة.. جعلهم ينامون تحت أهل الحق ويظن المارة أنهم مساكين ومظلومون ويتعرضون للضرب بينما هم يكيلون الطعنات واللكمات لأهل الحق البلهاء "من تحت لتحت".
إننا نعيش جاهلية العلم.. وجاهلية خطيرة في عز ما نسميه المد الديني الإسلامي أو المسيحي لأنه مد شكلي طقوسي منافق.. لأنه مد وصحوة "عدة النصب".. فليس صحيحاً أبداً وعلي الإطلاق أن المسلمين والمسيحيين الآن أكثر تديناً لكن الصحيح أنهم أكثر نصباً واحتيالاً ومخادعة ومخاتلة بالدين.. ليس صحيحاً أن المسلم الذي يكره المسيحي والمسيحي الذي يكره المسلم أكثر تديناً من ذي قبل فلا تدين لكاره.. والحكاية بين المسلمين والمسيحيين وأصحاب النحل الباطلة كالبهائية وغيرها ليست سوي حلقة من المسلسل العصبي الأعمي.. فالإسلام والمسيحية والبهائية.. والسُنة والشيعة عند هؤلاء مجرد فرق في الدوري مثل الأهلي والزمالك والإسماعيلي والاتحاد والترسانة والمصري والمحلة.. كل يريد أن يثبت حبه لفريقه بكراهيته الفريق الآخر.. هو يكره الفريق الآخر أضعاف حبه لفريقه.. وهزيمة الفريق الآخر تسعده أكثر من سعادته بفوز فريقه.. لذلك يحتفل المسلمون بمسيحي عاشق أسلم ويحتفل المسيحيون بمسلم قبض الثمن وتنصر.. كل فريق يريد أن يخصم من الآخر لا أن يضيف لنفسه.. فالمسيحي أسلم طاعة لفرجه والمسلم تنصر طاعة لبطنه.
****
لا أظن أنني مفيد ومجد فأنا أكتب وأنا شبه محموم بنزلة البرد.. أكتب وأنا مهموم بهذه الأمة التي أدعو الله أن يشفيني منها فهي مرض أصابني في مقتل ولا يريد أن يذهب عني.
نحن قوم أسقطنا قضايانا المصيرية والعامة وأصابنا التهام الخيار الاستراتيجي بالدوار.. نحن قوم انفرط عقدنا وبعثرنا محتويات حقائبنا بعد أن امتلأنا يقيناً زائفاً بأننا مقيمون.. ونفخ مسئولونا نفير وصفارات الأمان الوهمي.. وأقنعونا بأن الجميع أصدقاؤنا وأن الحياة "لونها بمبي" ولم تعد هناك حروب ولم يعد لنا أعداء وأن مشاكلنا بطنية فرجية فقط وهي مشاكل مقدور عليها.. لذلك انطلق النكرات والكلاب الجرباء وفئران الهدد ليصبحوا نجوم المشهد وراحوا يخترعون الجنازات الحارة للكلب الأجرب الميت وصاروا أهل قمة ونخبة وأوقظوا التفاهات والفتن النائمة وجعلوا من الحبة قبة.. لأن الكلام في عصر السلام ليست عليه جمارك ولا ضرائب ولأن النجومية نجومية قول لا نجومية فعل في زمن الخيار.. نجومية السعار والشعار.. سعار البطن والفرج.. وشعار اللسان والقلم.
انطلق الغربان في الأرض والفضاء يهدمون كل شيء.. حتي الأوطان راحوا يسخرون منها ومن الانتماء إليها.. راحوا يقولون إن المرء يشعر بالعار والخجل عندما يقول إنه مصري أو عربي.. وهذا كله ليس "جهجهون".. ولكنه شيء يراد.. هناك مثابرة ودأب في عملية التفكيك.. تفكيك الوطن بجعله بلا قيمة ولا يستحق الدفاع عنه.. وتفكيك الأسرة بجعل الأطفال يقاضون آباءهم بتهمة ضربهم.. وجعل الزوجات علي "حل شعرهن" لتمكين المرأة.
كل هذه المصائب يتم تقديمها في أغلفة وعبوات براقة وجميلة.. وبشكل مبهر اعتماداً علي أن الناس في هذه الأمة بلا وعي وأنهم مجرد جاموس وناموس بلا قيمة وفراشات بلهاء تندفع نحو الأضواء لتحترق وتموت في ستين داهية.
الفقراء يحاربون معارك الأغنياء.. وأهل الصلاح البلهاء يحاربون معارك المفسدين وأهل الحق الحمقي يخوضون الحرب نيابة عن أهل الباطل.. وتلك والله جاهلية ما بعدها وما قبلها جاهلية.. جاهلية تجعلنا نقف عاجزين بلا حول ولا طول ولا قوة.. تجعلنا نصاب بالدوار من الذين غلبونا بالصوت والصورة بلا قضايا ولا موضوعية.. وفشلنا في التغلب عليهم بقضايانا وموضوعيتنا ودعوتنا إلي الحكمة والكياسة والفطنة.. فهم مبهرون.. اعتمدوا علي الإبهار في الليل والنهار.. أما نحن فعلي شفا جرف هار.. ونوشك علي إشهار إفلاسنا.. لأن بضاعتنا مجرد "قلم تلم ومخ ضلم".
****
ياسلام علي حكمة أكثم بن صيفي.. ذلك رجل من الزمن الذي نسميه زمن الجاهلية.. قبل بعثة الرسول صلي الله عليه وسلم.. لقد كان الرجل ينطق بالحق وكان في بيانه السحر وحين استعرض أقواله الموجزة أشعر بأنه أعظم إعلامي أنجبته الأمة.. لقد أرشدنا إلي قواعد اللعبة الإعلامية المعمول بها الآن.. حين قال: أكثر من الباطل يكن حقاً.. وأنشر البطنة لتذهب الفطنة.. هذا عين ما يجري الآن فنحن نكثر من الباطل ونلح به علي الناس حتي يصبح حقاً.. نحن ندعي أننا نهاجم الباطل وندحضه بينما نحن ننشره ونزيد الناس معرفة به.. فيكثر أتباعه ومريدوه.. ونحن نمتلك مفاتيح بطون الناس لنقضي علي فطنتهم.. وعندما تذهب الفطنة يتبعنا الناس بلا نقاش ولا مقاومة.. نحن نمتلك مفاتيح البطون والفروج وهذا وحده يكفي لجعل الناس عبيدنا وأتباعنا.. نأخذهم إلي حيث نريد.. وهكذا غلب علينا أهل الباطل وجنودهم من دعاة الحق الحمقي.. وساد الأشرار بأيدي وألسنة وأقلام الأخيار البلهاء.. وبقي أمثالي من الناس مفلسين لا يملكون من الأمر شيئاً أمام أضواء ونجوم الإبهار في الليل والنهار.. فلا حيلة لقلم تلم ومخ ضلم.. فامض بلا مقاومة.. وأبشر يا أبا جهل.. فكل العرب لك أهل وطريقك إلينا سهل!!
نظرة
تحدث المتحدثون كثيراً بعد مباراة منتخبي مصر وزامبيا في تصفيات المونديال عن سوء التشكيل وأخطاء الجهاز الفني والمحترفين "الفشنك".. أما أنا وحدي أنا فقد كنت مشغولاً بأمر عجيب.. أصابني بحزن عميق وهو أمر الجماهير.. جماهيرنا في استاد القاهرة تسد عين الشمس لكن أحداً لا يخشاها.. جماهير خرساء جعلت لاعبي زامبياً أكثر جرأة وقوة.. الألوف في المدرجات لا حس ولا خبر.. فماذا جري لنا؟.. هل أصبحنا مجرد أناس موظفين يخشون الإبداع حتي في التشجيع؟ فربما يصدر منا خطأ ونحال للتحقيق لذلك أكلنا سد الحنك.. هناك جبن عام وخوف وبائي من لا شيء.. هناك عفاريت افتراضية نصاب بالرعب منها لذلك نؤثر السلامة والمذلة ونسكت.. وأزعم أن الجماهير كانت تترقب نتائج اجتماع مطول بين اتحاد زاهر وجهات الأمن للاتفاق علي عبارات وهتافات التشجيع الرسمية.. وقد دب خلاف خلال الاجتماع حال دون التوصل إلي اتفاق واستمرت المناقشات إلي ما بعد المباراة بعدة ساعات.. لذلك سكتت جماهير مصر عن الكلام المباح وغير المباح انتظاراً للتعليمات والتوجيهات والهتافات السابقة التجهيز.. وقاعدين ليه ماتقوموا تروحوا!!olor=red][/color]
كثيراً ما أري أن دعاة الإصلاح ومدعيه أكثر حماقة وأشد خطراً من المفسدين.. لأن مدعي الإصلاح مفسدون ولا يشعرون.. ويتبعهم الناس دون أن يدركوا أنهم أشد خطراً عليهم من المفسدين الصرحاء.. وكثيراً ما أري أن المعركة الحقيقية يجب أن تكون مع مدعي الإصلاح لا مع المفسدين.. وهي معركة خاسرة لمن أراد خوضها لأنه سيواجه غفلة الجماهير وتغفيل الشعوب العربية وسكرتها التي تشبه سكرة الموت.. فإذا أردت نشر الرذائل والفساد فليكن جنودك دعاة ومدعي الاصلاح.. الذين ينشرون الكوارث بأدوات الإصلاح ويشيعون الخراب بوسائل الإعمار.
والذين يدعون التدين والغيرة علي العقائد هم الذين خلقوا الفتنة الطائفية وجعلوا منا مسلمين ونصاري متصارعين.. وشطرونا إلي سُنة وشيعة متطاحنين وجعلوا لشرذمة قليلين نكرات من أهل النحل الباطلة صوتاً عالياً وقضايا متداولة وسلطوا الأضواء علي البهائية والقاديانية والبوذية والمجوسية.. فصارت الغلبة في الأرض والفضاء للهوام وأهل الباطل الذين بدوا كأنهم حملان وديعة مظلومة.
ولقد ركب التطرف والإرهاب والفتن فئة من البلهاء فأصبحوا مطايا يمتطيها الباطل إلي بغيته تماماً كما ألبس الدعاة الجدد والداعيات الجنس والفحشاء ثوب الدين والعلم.. وجعلوا للرذائل عناوين براقة مثل الثقافة الجنسية والمعاشرة الزوجية فحبسوا الإسلام في غرف النوم وصرت تشاهد البرامج الدينية كأنك تشاهد فيلماً جنسياً فجاً واختفي لدي الناس الحياء وتآلفوا مع قلة الأدب والتطاول علي القيم الدينية والمجتمعية ولم يعد أحد يشعر بالعار أو "الكسوف".. وكل ذلك بفضل وهمة مدعي الإصلاح والصلاح والمتحمسين للدين ببلاهة الدبة التي أرادت طرد الذبابة من علي وجه صاحبها فقذفته بحجر قضي عليه.
قلت لك إن أخطر ما بلغناه ولم يعد يصلح له طب ولا دواء هو أن الفسدة والفسقة وأهل الباطل غسلوا أيديهم تماماً من أفعال الفساد والفسق والباطل وتركوا المهمة لجنود بلهاء من مدعي الصلاح والإصلاح والحمية الدينية.. أهل الباطل والفساد لا يفسدون بأيديهم الآن وإنما يفسدون بالدعاة والعلماء والإعلاميين ومدعي التدين والباحثين عن نجومية وشهرة ولو علي أنقاض وأشلاء الأمة.. والناس في أمة العرب قتلهم الاعتياد والتآلف وتحول كل شيء إلي أمر عادي لذلك يكرهون الموضوعية والهدوء والمنطق ويريدون جنازة حارة ليشبعوا فيها لطماً حتي إذا كان الميت كلباً أجرب.
وبراعة الإعلام العربي وأهل الدعوة من الرجال والنساء وأهل النخبة والقمة تقاس بقدرتهم علي أن يجعلوا من جنازة الكلب الأجرب جنازة "مولعة".. لكن إذا كان الميت عظيماً ويستحق جنازة حارة فإنه لا فضل لهم ولا براعة.. والإعلامي الناجح هو الذي يستطيع جعل الناس يصرخون في جنازة الكلب الأجرب.
****
والقاسم المشترك الأعظم في التناول الإعلامي هو أن الميت دائماً كلب والسباق في الأرض والفضاء يكون علي من يستطيع أن يجعل جنازة الكلب الأجرب أكثر حرارة وسخونة واشتعالاً.. لذلك لابد أن تكون كل القضايا تافهة.. وأن تكون مثل الطعام الفاسد الذي انتهت مدة صلاحيته وبراعة الإعلامي تقاس بإخفاء فساد الطعام بمكسبات اللون والطعم والرائحة والبهارات الحارة حتي يأكل الناس الأطعمة الفاسدة ويقولوا: "كمان".. لا يهم أن يتسمموا أو يموتوا بعد حين لأن دمهم سيتفرق بين القبائل وتضيع معالم الجريمة ولا يعرف أحد من القاتل وتقيد القضية ضد مجهول أو يوجه الاتهام إلي أمثالنا ممن يحاولون إيقاظ الأمة الميتة.. وعلاجها من إدمان كل ما هو فاسد ومن الرقص واللطم والندب في جنازة الكلب الأجرب.
تلك أمة حرمها الله الحكمة ورفع منها ومن أهلها الكياسة والفطنة غضباً وسخطاًَ من الله عز وجل علينا.. فقد رزقنا الجدل وسوء العمل.. أعطانا طلاوة وحلاوة القول ومرارة الفعل.. جعلنا نمضي في غينا وطغياننا نعمه ونتخبط وتأخذنا العزة بالإثم.. جعلنا الله مراكب ومطايا يركبها الباطل لينتشر ويشيع ويمتطيها الفساد ليملأ الآفاق.. وأنا لست معنياً بقتل الباطل وإبادة الفساد ولكني معني بما هو صعب حتي المستحيل.. معني بقتل وحرق حمير ومراكب الباطل من الذين يدعون أنهم يدافعون عن الحق.
غضب الله علينا ولعننا حين جعل الأخيار وأهل الحق ودعاة الإصلاح بلهاء وحمقي "وبريالة" حتي إنهم صاروا جنود الفساد ولا يفقهون.. وجعل أهل الباطل والفساد والكفر والرذائل عقلاء وذوي كياسة وفطنة وهدوء وابتسامات عريضة.. جعلهم ينامون تحت أهل الحق ويظن المارة أنهم مساكين ومظلومون ويتعرضون للضرب بينما هم يكيلون الطعنات واللكمات لأهل الحق البلهاء "من تحت لتحت".
إننا نعيش جاهلية العلم.. وجاهلية خطيرة في عز ما نسميه المد الديني الإسلامي أو المسيحي لأنه مد شكلي طقوسي منافق.. لأنه مد وصحوة "عدة النصب".. فليس صحيحاً أبداً وعلي الإطلاق أن المسلمين والمسيحيين الآن أكثر تديناً لكن الصحيح أنهم أكثر نصباً واحتيالاً ومخادعة ومخاتلة بالدين.. ليس صحيحاً أن المسلم الذي يكره المسيحي والمسيحي الذي يكره المسلم أكثر تديناً من ذي قبل فلا تدين لكاره.. والحكاية بين المسلمين والمسيحيين وأصحاب النحل الباطلة كالبهائية وغيرها ليست سوي حلقة من المسلسل العصبي الأعمي.. فالإسلام والمسيحية والبهائية.. والسُنة والشيعة عند هؤلاء مجرد فرق في الدوري مثل الأهلي والزمالك والإسماعيلي والاتحاد والترسانة والمصري والمحلة.. كل يريد أن يثبت حبه لفريقه بكراهيته الفريق الآخر.. هو يكره الفريق الآخر أضعاف حبه لفريقه.. وهزيمة الفريق الآخر تسعده أكثر من سعادته بفوز فريقه.. لذلك يحتفل المسلمون بمسيحي عاشق أسلم ويحتفل المسيحيون بمسلم قبض الثمن وتنصر.. كل فريق يريد أن يخصم من الآخر لا أن يضيف لنفسه.. فالمسيحي أسلم طاعة لفرجه والمسلم تنصر طاعة لبطنه.
****
لا أظن أنني مفيد ومجد فأنا أكتب وأنا شبه محموم بنزلة البرد.. أكتب وأنا مهموم بهذه الأمة التي أدعو الله أن يشفيني منها فهي مرض أصابني في مقتل ولا يريد أن يذهب عني.
نحن قوم أسقطنا قضايانا المصيرية والعامة وأصابنا التهام الخيار الاستراتيجي بالدوار.. نحن قوم انفرط عقدنا وبعثرنا محتويات حقائبنا بعد أن امتلأنا يقيناً زائفاً بأننا مقيمون.. ونفخ مسئولونا نفير وصفارات الأمان الوهمي.. وأقنعونا بأن الجميع أصدقاؤنا وأن الحياة "لونها بمبي" ولم تعد هناك حروب ولم يعد لنا أعداء وأن مشاكلنا بطنية فرجية فقط وهي مشاكل مقدور عليها.. لذلك انطلق النكرات والكلاب الجرباء وفئران الهدد ليصبحوا نجوم المشهد وراحوا يخترعون الجنازات الحارة للكلب الأجرب الميت وصاروا أهل قمة ونخبة وأوقظوا التفاهات والفتن النائمة وجعلوا من الحبة قبة.. لأن الكلام في عصر السلام ليست عليه جمارك ولا ضرائب ولأن النجومية نجومية قول لا نجومية فعل في زمن الخيار.. نجومية السعار والشعار.. سعار البطن والفرج.. وشعار اللسان والقلم.
انطلق الغربان في الأرض والفضاء يهدمون كل شيء.. حتي الأوطان راحوا يسخرون منها ومن الانتماء إليها.. راحوا يقولون إن المرء يشعر بالعار والخجل عندما يقول إنه مصري أو عربي.. وهذا كله ليس "جهجهون".. ولكنه شيء يراد.. هناك مثابرة ودأب في عملية التفكيك.. تفكيك الوطن بجعله بلا قيمة ولا يستحق الدفاع عنه.. وتفكيك الأسرة بجعل الأطفال يقاضون آباءهم بتهمة ضربهم.. وجعل الزوجات علي "حل شعرهن" لتمكين المرأة.
كل هذه المصائب يتم تقديمها في أغلفة وعبوات براقة وجميلة.. وبشكل مبهر اعتماداً علي أن الناس في هذه الأمة بلا وعي وأنهم مجرد جاموس وناموس بلا قيمة وفراشات بلهاء تندفع نحو الأضواء لتحترق وتموت في ستين داهية.
الفقراء يحاربون معارك الأغنياء.. وأهل الصلاح البلهاء يحاربون معارك المفسدين وأهل الحق الحمقي يخوضون الحرب نيابة عن أهل الباطل.. وتلك والله جاهلية ما بعدها وما قبلها جاهلية.. جاهلية تجعلنا نقف عاجزين بلا حول ولا طول ولا قوة.. تجعلنا نصاب بالدوار من الذين غلبونا بالصوت والصورة بلا قضايا ولا موضوعية.. وفشلنا في التغلب عليهم بقضايانا وموضوعيتنا ودعوتنا إلي الحكمة والكياسة والفطنة.. فهم مبهرون.. اعتمدوا علي الإبهار في الليل والنهار.. أما نحن فعلي شفا جرف هار.. ونوشك علي إشهار إفلاسنا.. لأن بضاعتنا مجرد "قلم تلم ومخ ضلم".
****
ياسلام علي حكمة أكثم بن صيفي.. ذلك رجل من الزمن الذي نسميه زمن الجاهلية.. قبل بعثة الرسول صلي الله عليه وسلم.. لقد كان الرجل ينطق بالحق وكان في بيانه السحر وحين استعرض أقواله الموجزة أشعر بأنه أعظم إعلامي أنجبته الأمة.. لقد أرشدنا إلي قواعد اللعبة الإعلامية المعمول بها الآن.. حين قال: أكثر من الباطل يكن حقاً.. وأنشر البطنة لتذهب الفطنة.. هذا عين ما يجري الآن فنحن نكثر من الباطل ونلح به علي الناس حتي يصبح حقاً.. نحن ندعي أننا نهاجم الباطل وندحضه بينما نحن ننشره ونزيد الناس معرفة به.. فيكثر أتباعه ومريدوه.. ونحن نمتلك مفاتيح بطون الناس لنقضي علي فطنتهم.. وعندما تذهب الفطنة يتبعنا الناس بلا نقاش ولا مقاومة.. نحن نمتلك مفاتيح البطون والفروج وهذا وحده يكفي لجعل الناس عبيدنا وأتباعنا.. نأخذهم إلي حيث نريد.. وهكذا غلب علينا أهل الباطل وجنودهم من دعاة الحق الحمقي.. وساد الأشرار بأيدي وألسنة وأقلام الأخيار البلهاء.. وبقي أمثالي من الناس مفلسين لا يملكون من الأمر شيئاً أمام أضواء ونجوم الإبهار في الليل والنهار.. فلا حيلة لقلم تلم ومخ ضلم.. فامض بلا مقاومة.. وأبشر يا أبا جهل.. فكل العرب لك أهل وطريقك إلينا سهل!!
نظرة
تحدث المتحدثون كثيراً بعد مباراة منتخبي مصر وزامبيا في تصفيات المونديال عن سوء التشكيل وأخطاء الجهاز الفني والمحترفين "الفشنك".. أما أنا وحدي أنا فقد كنت مشغولاً بأمر عجيب.. أصابني بحزن عميق وهو أمر الجماهير.. جماهيرنا في استاد القاهرة تسد عين الشمس لكن أحداً لا يخشاها.. جماهير خرساء جعلت لاعبي زامبياً أكثر جرأة وقوة.. الألوف في المدرجات لا حس ولا خبر.. فماذا جري لنا؟.. هل أصبحنا مجرد أناس موظفين يخشون الإبداع حتي في التشجيع؟ فربما يصدر منا خطأ ونحال للتحقيق لذلك أكلنا سد الحنك.. هناك جبن عام وخوف وبائي من لا شيء.. هناك عفاريت افتراضية نصاب بالرعب منها لذلك نؤثر السلامة والمذلة ونسكت.. وأزعم أن الجماهير كانت تترقب نتائج اجتماع مطول بين اتحاد زاهر وجهات الأمن للاتفاق علي عبارات وهتافات التشجيع الرسمية.. وقد دب خلاف خلال الاجتماع حال دون التوصل إلي اتفاق واستمرت المناقشات إلي ما بعد المباراة بعدة ساعات.. لذلك سكتت جماهير مصر عن الكلام المباح وغير المباح انتظاراً للتعليمات والتوجيهات والهتافات السابقة التجهيز.. وقاعدين ليه ماتقوموا تروحوا!!olor=red][/color]