أبناء الصعيد فن ابداع اصالة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

كل ما يهم اهل الصعيد من معلومات و ابداع


3 مشترك

    قصيدة الخنساء على اخيها صخر

    بندارى
    بندارى
    الحضور المميز


    الجنس : ذكر
    الابراج : القوس
    عدد الرسائل : 825
    تاريخ الميلاد : 21/12/1981
    العمر : 42
    الموقع : لا يهمنى فى من يتكلم وراء ظهرى فقط يكفينى يخرس عندما يرانى
    نقاط : 1153
    تاريخ التسجيل : 21/12/2009

    شعر قصيدة الخنساء على اخيها صخر

    مُساهمة من طرف بندارى الأحد 2 سبتمبر - 9:49:06

    قذى بعينيكِ أم بالعينِ عُوّار *** ُ أم ذرَّفَت إذ خلت من أهلها الدارُ
    كأن عينِي لذكراه إذا خطرت *** فيض يسيل على الخدين مدرارُ
    تبكي لصخر هي العبرى وقد ولهت و*** دونه من جديد الترب أستارُ
    تبكي خناس فما تنفك ما عمرت *** لها عليه رنين وهي مفتارُ
    تبكي خناس على صخر وحق لها *** إذ رابها الدهر إن الدهر ضرارُ
    لا بد من مِتة في صرفها عبر *** والدهر في صرفه حول وأطوارُ
    قد كان فيكم أبو عمرو يسودكمُ *** نعم المُعَمّم للداعين نصارُ
    وإن صخرا لمولانا وسيدنا *** وإن صخرا إن نشتوا لنحارُ
    وإن صخرا لتأتم الهداة به *** كأنه علم في رأسه نارُ
    وإن صخرا لمقدام إذا ركبوا *** وإن صخرا إذا جاعوا لعقّارُ
    جلد جميل المحيا كامل ورعُ *** وللحروب غداة الروع مسعارُ
    حمال ألوية هباط أودية *** شهاد أندية للجيش جرارُ
    نحار راغية مِلجاء طاغية *** فكاك عانية للعظم جبارُ
    فبت ساهرة للنجم أرقبه *** حتى أتى دون غور النجم أستارُ
    لم تره جارة يمشي بساحتها *** لريبة حين يخلي بيته الجارُ
    ولا تراه وما في البيت يأكله *** لكنه بارز بالصحن مهمارُ
    ومطعم القوم شحما عند مسغبهمْ *** وفي الجدوبِ كريم الجد ميسارُ
    قد كان خالصتي من كل ذي نسب *** فقد أصيب فما للعيش أوطارُ
    ليبكه مقتر أفنى حريبته دهر *** وحالفه بؤس وإقتارُ
    ورفقة حار حاديهم بمُهلِكة كأن *** ظلمتها في الطخية القارُ

    بنت الصعيد
    بنت الصعيد
    المشرف المميز 1


    الجنس : انثى
    الابراج : الاسد
    عدد الرسائل : 1616
    نقاط : 2836
    تاريخ التسجيل : 26/06/2010

    شعر رد: قصيدة الخنساء على اخيها صخر

    مُساهمة من طرف بنت الصعيد الأحد 2 سبتمبر - 16:42:56

    الاخ الفاضل / بنداري
    مشكور ع طرح احد اشعار الخنساء ا وهي من اشعر الشعراء المخضرمين فقد عاشت ف العصرين عصر الجاهلية وعصر الاسلام ولها اشهر القصائد الشعريه ف رثاء اخويها صخر ومعاوية ووتفجر ينبوع الشعر من الخنساء ف رئاء اخوها صخر لانها كانت تحبه كثيرا ورثته رثاء حزين مبالغ فيه واذكر من احي قصائدها الابيات الانية

    يا عَينِ جودي بدَمعٍ منكِ مُهْراقِ اذا هدى النَّاسُ أو همُّوا باطراقِ



    على الغُصُونِ هَتُوفٌ ذاتُ أطْواقِ انّي تذكّرني صخراً اذا سجعتْ



    تبكي بكاءَ حزينِ القلبِ مشتاقِ وكلُّ عبرى تبيتُ اللَّيلَ ساهرة ً



    كلَّ البريَّة ِ غيرَ الواحدِ الباقي لا تَكْذِبَنّ فإنّ المَوْتَ مُخْتَرِمٌ



    تعطي الجزيلَ بوجهٍ منكَ مشراقِ انتَ الفتى الماجدُ الحامي حقيقتهُ



    وكلَّ طرفٍ الى الغاياتِ سبَّاقِ والعودَ تعطي معاً والنَّابَ مكتنفاً



    ما زلتُ في كلِّ امساءٍ واشراقِ انّي سابكي ابا حسَّانَ نادبة



    تقبل مروري ودمت بخير
    والي المزيد من الانجازات ً
    المستشار
    المستشار
    Admin
    Admin


    الجنس : ذكر
    الابراج : السرطان
    عدد الرسائل : 6465
    تاريخ الميلاد : 04/07/1964
    العمر : 60
    المزاج : الحمد لله
    نقاط : 8484
    تاريخ التسجيل : 19/09/2008

    شعر رد: قصيدة الخنساء على اخيها صخر

    مُساهمة من طرف المستشار الإثنين 3 سبتمبر - 9:18:45




    - حياتها ونشأتها:.


    هي تماضر بنت عمرو بن الحرث بن الشريد بن السلميه, ولدت سنة 575 للميلاد،
    لقبت بالخنساء لقصر أنفها وارتفاع أرنبته. عرفت بحرية الرأي وقوة الشخصية
    ونستدل على ذلك من خلال نشأتها في بيت عز وجاه مع والدها وأخويها معاوية
    وصخر، والقصائد التي كانت تتفاخر بها بكرمهما وجودهما، وأيضا أثبتت قوة
    شخصيتها برفضها الزواج من دريد بن الصمة أحد فرسان بني جشم؛ لأنها آثرت
    الزواج من أحد بني قومها، فتزوجت من ابن عمها عبد الله بن رواحه بن عبد
    العزيز السلمي ، إلا أنها لم تدم طويلا معه ، لأنه كان يقامر ولا يكترث
    بماله ، لكنها أنجبت منه ولدا ، ثم تزوجت بعدها من ابن عمها مرداس بن أبي
    عامر السلمي ، وأنجبت منه أربعة أولاد ، وهم يزيد ومعاوية وعمرو وعمرة .
    وتعد الخنساء من المخضرمين ؛ لأنها عاشت في عصرين : عصر الجاهلية وعصر
    الإسلام ، وبعد ظهور الإسلام أسلمت وحسن إسلامها . ويقال أنها توفيت سنة
    664ميلاديه .


    2- الخنساء ونهر الدموع:.


    أ- الخنساء في الجاهلية..


    كانت الخنساء صغيره عندما دق الموت بابها اسمها تماضر وهي تشبه الضبي
    الصغير وسميت الخنساء بهذا الاسم نسبة لأحد أسمائه .لم يلتفت أحد إلى
    جمالها ، ولم تلتفت هي إلى نفسها .


    كانت قبيلتها ( سليم ) في ذيل القبائل حتى جاء أخواها .. معاوية وصخر.


    لقد أصبح من حق أبيها أن يسير إلى عكاظ ليفاخر بقية العرب لا بماله ولا بنسبه وإنما بولديه.


    وحفظت الخنساء هذا التفاخر تمثله كحقيقة شخصيتها ، تعزو من حولها من
    القبائل وتفرض كلمتها، ماذا تفعل بنو مرة وأسد أو غطفان ، و ليس فيهم صخر
    أو معاوية .


    ومع الحرب والغارات تدفقت الأسلاب على القبيلة وامتلأ البيت حول الخنساء
    بالغنائم الملوثة بالدم وكانت رائحتها أطيب من أي عطر لدى الخنساء .


    معاوية هو الأكبر .. القائد.. الشمس الساطعة التي تبهر عينيها ، غاية في
    السماحة و الجود والعطاء والقوة ، لم يدانيه في الفروسية إلا دريد بن الصمه
    فارس بني حتم لذا تصادقا و تحالفا .


    ولكن نهاية معاوية كانت سريعة ، امرأة هي السبب مجرد امرأة تؤثر الأقوى والأقدر على دفع الثمن .


    إنها ( أسماء المرية ) بغى سوق عكاظ دعاها معاوية إلى نفسه فامتنعت وصمم معاوية على أن ينالها.


    واعتبر ( هاشم ) الذي فضلته على ( أسماء المرية ) أن ما فعله معاوية بمثابة
    الإهانة, وظل يترصد معاوية ويرقب تحركاته حتى تخلى معاوية ذات مرة عن حذره
    وسار وسط جمع قليل من رجاله وإذا بجيش ( بني مرة ) يحاصرهم .


    وحاول معاوية شق طريقا ولكن هاشما وأخاه تصديا له


    تظاهر أحدهما بالهزيمة وحين هم معاوية بالإجهاز عليه طعنه الأخر في ظهره .


    منذ تلك اللحظة خرج طائر الصدى يجوب الفضاء ويزعق من العطش ولبست الخنساء الحداد وبدأت أيام المراثي .


    قال صخر لأخته سوف نذهب لموسم الحج هذا العام لعلنا نرى من قتلوا أخانا
    فنهضت الخنساء لتمسح دموعها ، وتستعد للرحيل إلى البلد الحرام حيث يتجاور
    القتلة وطالبوا الثأر ، دون أن يجرؤ أحد على رفع سيفه .


    سافرا إلى مكة وطافا بالكعبة والأصنام وسوق عكاظ وفى كل مكان يسألان عن مكان بني مرة .


    كان صخر هادئا والخنساء تنتابها انفعالات شتى حتى رأت عباءة معاوية معلقة
    فوق الخيام ممزقة من أثر الطعن ملوثة بالدم وولدا (حرملة وأسماء) يشربان
    ويفاخران بما فعل أبواهما وصخر والخنساء لا يستطيعان شيئا إنهما في البلد
    الحرام .وعادا إلى ديار ( سليم ( وبدأ صخر يستعد للثأر بينما الخنساء تستعد
    للزواج زواج بلا حب أو رغبة ولكنها تؤدى ما تعرض عليها التقاليد القبلية
    وفى ليلة الزفاف لم تخلع ثوب الحداد وزفت وهي حليقة الرأس وظلت تنتظر عودة
    صخر من أول غزواته ونسيت الخنساء أنها وزوجها ( رواحه ) قد أصبحا في بيت
    واحد وعندما وضع يده عليها ارتعدت نظرت إليه في اندهاش وسمعت الخيل وهى
    عائدة فهرعت إليها فكان صخر فهتفت به !هل أدركت ثأرك ؟


    فأجابها صخر قائلا لم أشف غليلي بعد !وفى ليلة جلست الخنساء أمام رواحه
    تجتر أحزان عمرها الذي لم يبدأ بعد واستيقظت في الصباح ولم تجده
    بجانبها.ولكن ها هو صخر قد عاد عاد سعيدا من الغزو لقد أباد بني مرة قتل
    ولدى حرملة ظفر بثأر وحشي وسوف تظل الجثث عارية تأكل منها الجوارح حتى
    التخمة ثم تذروها العواصف لعل معاوية يهدأ ولعل أشعار الخنساء تصفو اندفع
    إلى خيمتها يحمل البشرى فوجدها باكية ماذا أصابك يا أختاه ؟


    انه رواحه لقد أخذ ما يمكن بيعه وذهب فاستل صخر سيفه وهو ما زال دافئا .


    ورغم أن رواحه هو ابن العم والزوج ولكن أشرق وجه الخنساء عندما انتبهت
    لعلامات القتال على ثياب صخر فهتفت بسؤالها التقليدي هل أدركت ثأرك ؟


    فأجاب وأفنيت بني مرة عن بكرة أبيهم كان يحسب أنها سوف تهدأ ..لكنها تساءلت
    في مرارة وحلفاء بني مرة .. أسد وغطفان مازالا بخير ؟ أليس كذلك ؟ ووافقها
    صخر كأن الصحراء كانت مقبرة واسعة .. وعلى الجميع ان يكونوا فيها موتى .


    وفى الصباح عثروا على جثة رواحه زوج الخنساء قالوا إنه تعثر في الصخور وسقط
    لكن آثار الطعان كانت واضحة في جسمه ، نقلوه إلى بيته ثم إلى قبره


    ولم تكن الخنساء قد خلعت ثوب الحداد بعد لكنها لم تنح عليه بكلمة .لم ترثه ببيت


    ولم تفكر لحظة في أن تزور قبره وظلت ترثى معاوية كأنه هو الذي مات بالأمس
    ولم يبقى إلا عبد الله ابن رواحه ( و ابن الخنساء (الشاهد الوحيد لهذه
    الزيجة


    تفرغت الخنساء لصخر وتفرغ صخر للثأر ثأر يقع على من شاهد القتلة أو سمع
    عنهم ثلاث قبائل كاملة من أجل رجلا واحد لكن القبيلتين الباقيتين لم تكونا
    فريسة سهلة فقد توثقتا وتعاهدتا وأحضرتا ( ربيعة بن ثور ) أبرع من رمى
    الرمح في بلاد العرب استضافوه وجهزوا له الأموال والجواري حتى يأتي وقته .


    ويركب صخر فرسه الشماء وقال لأخته :


    أختاه


    أخشى أن يعرفوني .. ويعرفوا غرة الشماء فيتأهبوا فسودت الخنساء غرة الشماء
    بتراب الفحم وودعها صخر و حمحمت الخيل إلى ديار غطفان ونفذ سيف صخر في
    أجساد بني غطفان فهرعوا إلى ربيعة بن ثور فأطلق رمحه كالوميض إلى جانب صخر
    ولم يخطئ وانتزع صخر الرمح وظل يقاتل ويتراجع وينزف مات معاوية مرة واحدة
    .. لحظة واحدة...لكن صخر يموت في كل لحظة عشرات المرات ليته ميت فينعى
    وليته حي فيرجى .. فقد ظل صخر يعانى اللام الجرح حتى مات بعد عام .يا خنساء
    : أيهما أوجع وأفجع ؟


    أما صخر فجمر العمر وأما معاوية فسقام الجسد وترحل الخنساء إلى عكاظ وتتذكر
    كيف كانت بالأمس و أخيها ووقفت تنشد المراثي وتسأل العرب هل هناك من هي
    أعظم مصيبة ؟


    فخرجت إليها امرأة وقفت في محاذاتها وهتفت في الموجودين أنا أعظم العرب مصيبة .ونظرت الخنساء إلى البكاءة المنافسة وسألتها من أنت ؟


    فأجابت : أنا هند بنت عتبة أعظم العرب مصيبة أبكى أبى عتيبة بن الربيعة وعمي شيبة وأخي الوليد


    الذين قتلوا في بدر على يد حمزة بن عبد المطلب وانطلقت تنشد الأشعار تحكى
    عن يوم بدر وتحرض الجميع على ( محمد صلى الله عليه وسلم )وانطلقت الخنساء
    تنشد كلا من معاوية وصخر وكل منهما تتباهى بقتلاها وتفضل مصيبتها .وتحول
    الحزن الإنساني إلى منافسة منافسة تفوقت فيها الخنساء وانصرفت هند بنت عتبة
    مخذولة لكنها ما لبثت أن أطفأت حرقتها حين مضغت كبد حمزة في يوم أحد وبقت
    الخنساء وحيده في حاجة إلى عدد هائل من الأكباد كي تشفى غليلها .أفاقت )
    سليم ) وقد عادت إلى مكانتها الأولى ضعيفة مكسورة الناب لا تقدر على رد
    اللدغة فقد ذهب فارسا( آل الشرير( ولكن بقيت ( أسد وغطفان ) خطرا دائما
    متجددا .ولذلك اجتمعت قبيلة سليم وتناقشوا وكان الاتفاق على الانضمام إلى
    اكبر القوى الصاعدة والتي تعاديها أسد وغطفان في الوقت ذاته فقرروا أن
    ينضموا إلى الإسلام .


    ب- الخنساء في الإسلام:.


    وتالف وفد منهم ظهرت عليهم إمارات الاقتناع المفاجئ بالدعوة الجديدة
    والخنساء بينهم، تسير بثوبها الغرابى وكان النبي ( صلى الله عليه وسلم ( في
    مسجده وأحست سليم أن الأمر مختلف عما تصورت ليس تحالف أو سعيا للحماية بل
    إنها رسالة وليست فرصة تنتهز انسابت كلمات النبي ( صلى الله عليه وسلم )
    وتشربتها نفوسهم كالأراضي العطشى .وابتسم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في
    وجه الخنساء واستمع إلى أشعارها في حزنها وأخبرها أن في الإسلام العزاء
    لكل القلوب الحزينة .وتزوجت الخنساء للمرة الثانية من ( مراوس بن أبي عمر (


    شيخ كبير يلائم مزاجها النفسي فتفرغت لحياتها الزوجية ووالت إنجاب الأطفال
    تحاول تعويض أيام العقم والرثاء لكنها تجردت من كل عواطفها ماتت داخلها
    رغبة الاستمتاع بالنزوات وأصبحت أما صارمة عكرة المزاج ولكن لم يمنعها هذا
    من أن تنجب بنتا جميلة هي ( عمرة ) ظبية صغيرة تملك قلبا متوثبا ولم ترحم
    الأيام الخنساء فقد حولت كل ذكرياتها إلى قبور ولم ترحم هي نفسها وحين
    أقبلت الخنساء على المدينة ومعها أناس من قومها التقوا مع بن الخطاب وقالوا
    :
















    هذه الخنساء نزلت المدينة بزى الجاهلية فلو وعظتها يا أمير المؤمنين فقد
    طال بكاؤها في الجاهلية والإسلام .وقام عمر بن الخطاب واتاها يا خنساء ما
    الذي قرح عينيك ؟ رفعت رأسها وقالت : البكاء على السادة من مضر .قال : أنهم
    هلكوا في الجاهلية هم وقود اللهب وحشو جهنم قالت : فذاك الذي زادني وجعا
    وعاشت الخنساء أيامها




    كلها في الشيخوخة رفعت بصرها قربانا لأيام البكاء الحارة وحين جاءتها
    الأخبار أن أولادها الأربعة قد استشهدوا في معركة القادسية كانت قد استنفدت
    كل الدموع وكل أبيات الشعر وزاد عدد القبور أربعة قبور وأدركت بشكل غامض
    أن كل ما يمت إليها بصلة مقضي عليه .ولم يبق إلا هي : وحيدة كئيبة تنتظر
    وقع دبيب الموت الذي تأخر عن موعده .






    أعَيْني جُودَا ولا تَجْمدا ...... ألا تَبكيان لصَخْرِ النَّدى ؟


    ألا تبكيان الجريَ الجميلَ ..... ألا تَبْكيانِ الفَتَى السَّيِّدا ؟








    ________________________________________


    (1) جريدة الأمة الإسلامية العدد الصادر بتاريخ (مايو/2001) (صفر/1422)


    3- مقتل أخويها معاوية وصخر واستشهاد أولادها الأربعة:.


    قتل معاوية على يد هاشم ودريد ابنا حرملة يوم حوزة الأول سنة 612 م ،فحرضت
    الخنساء أخاها صخر بالأخذ بثأر أخيه ، ثم قام صخر بقتل دريد قاتل أخيه.
    ولكن صخر أصيب بطعنة دام إثرها حولا كاملا، وكان ذلك في يوم كلاب سنة 615
    م. فبكت الخنساء على أخيها صخر قبل الإسلام وبعده حتى عميت . وفي الإسلام
    حرضت الخنساء أبناءها الأربعة على الجهاد وقد رافقتهم مع الجيش زمن عمر بن
    الخطاب، وهي تقول لهم : (( يا بني إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين ،
    ووالله الذي لا إله إلا هو إنكم بنو امرأة واحدة ما خنت أباكم ، ولا فضحت
    خالكم ، ولا هجنت حسبكم ولا غيرت نسبكم ، وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين
    من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار
    الفانية، يقول الله عز وجل[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
    يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون).
    فإذا أصبحتم غدا إن شاء الله سالمين فأعدوا على قتال عدوكم مستبصرين،
    وبالله على أعدائه مستنصرين، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها، واضطرمت
    لظى على سياقها، وجللت نارا على أوراقها، فتيمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها
    عند احتدام خميسها تظفروا بالغنم والكرامة في الخلد والمقامة…)). وأصغى
    أبناؤها إلى كلامها، فذهبوا إلى القتال واستشهدوا جميعا، في موقعة القادسية
    . وعندما بلغ الخنساء خبر وفاة أبنائها لم تجزع ولم تبك ، ولكنها صبرت،
    فقالت قولتها المشهورة: ((الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم، وأرجو من ربي
    أن يجمعني بهم في مستقر رحمته)). ولم تحزن عليهم كحزنها على أخيها صخر ،
    وهذا من أثر الإسلام في النفوس المؤمنة ، فاستشهاد في الجهاد لا يعني
    انقطاعه وخسارته بل يعني انتقاله إلى عالم آخر هو خير له من عالم الدنيا ؛
    لما فيه من النعيم والتكريم والفرح ما لا عين رأت ولا أ\ن سمعت ولا خطر على
    قلب بشر ، " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم
    يرزقون ، فرحين بما آتاهم ربهم "


    4- شعرها وخصائصه:.


    تعـد الخنساء من الشعراء المخضرمين ، تفجر شعرها بعد مقتل أخويها صخر
    ومعاوية ، وخصوصا أخوها صخر ، فقد كانت تحبه حبا لا يوصف ، ورثته رثاء
    حزينا وبالغت فيه


    حتى عدت أعظم شعراء الرثاء. ويغلب على شعر الخنساء البكاء والتفجع والمدح
    والتكرار؛ لأنها سارت على وتيرة واحدة ، ألا وهي وتيرة الحزن والأسى وذرف
    الدموع ، وعاطفتها صادقة نابعة من أحاسيسها الصادقة ونلاحظ ذلك من خلال
    أشعارها.


    أ‌- بعض الأقوال و الآراء التي وردت عن أشعار الخنساء:


    يغلب عند علماء الشعر على أنه لم تكن امرأة قبلها ولا بعدها أشعر منها .
    كان بشار يقول: إنه لم تكن امرأة تقول الشعر إلا يظهر فيه الضعف ، فقيل له :
    وهل الخنساء كذلك، فقال تلك التي غلبت الرجال.


    قال النابغة الذبياني )) الخنساء أشعر الجن والإنس ))


    فإن كانت كذلك فلم لم تكن من أصحاب المعلقات ، ويظن أن في هذا القول مبالغة. أنشدت الخنساء قصيدتها التي مطلعها:




    قذى بعينيك أم بالعين عوار أم ذرفت إذ خلت من أهلها الدار




    لنابغة الذبياني في سوق عكاظ فرد عليها قائلا : لولا أن الأعشى(أبا البصير)
    أنشدني قبلك لقلت أنك أشعر من بالسوق . وسئل جرير عن أشعر الناس فـأجابهم:
    أنا، لولا الخنساء ، قيل فيم فضل شعرها عنك، قال: بقولها




    إن الزمان ومـا يفنى له عجـب أبقى لنا ذنبا واستؤصل الــرأس










    أبقا لنا كل مجهول وفجعنــا بالحالمين (1)هام(2)وأرماس(3)


    إن الجديدين(4)في طول إختلافهما لا يفسدان ولكن يفســد النــاس




    ب_ إعجاب الرسول بشعرها وتصحيحه لرأي عدي:.


    وكان الرسول  يعجبه شعرها وينشدها بقوله لها: ((هيهياخناس يوميء بيده)).
    أتى عدي عند رسول الله  فقال له:- يا رسول الله إن فينا أشعـر الناس،
    وأسخى الناس وأفرس الناس. فقال له النبي  : سمِّهم فقال: فأما عن أشعر
    الناس فهو امرؤ القيس بن حجر، وأسخى الناس فهو حاتم بن عدي(أباه) ، وأما عن
    أفرس الناس فهو عمرو بن معد يكرب. فقال له الرسول :- (( ليس كما قلت يا
    عدي، أما أشعر الناس فالخنساء بنت عمرو، وأما أسخى الناس فمحمد يعني نفسه 
    وأما أفرس الناس فعلي بن أبي طالب )) رضي الله عنه وأرضاه.


    5- بعض أشعارها في الرثاء:.


    تعكس أبيات الخنساء عن حزنها الأليم على أخويها وبالأخص على أخيها صخر، فقد
    ذكرته في أكثر أشعارها. وقد اقتطفت بعض من أشعارها التي تتعلق بالدموع
    والحزن، فهي في هذه القصائد تجبر عينيها على البكاء وعلى ذر ف الدموع
    لأخيها صخر، وكأنها تجبرهما على فعل ذلك رغما عنهما، وفي متناول أيدينا هذه
    القصائد ..


    ألا يا عين فانهمري بغدر(5)وفيضي فيضة من غير نــــزري


    ولا تعدي عزاء بعد صخــر فقد غلب العزاء(6) وعيل(7) صبري


    لمرزئة (8) كأن الجوف منهـا بعيد النـوم يشعــر (9) حـر جمـر






    1-من الحلم والإناه والعقل ضد الطيش. 2- من هامه أي الجثة. 3- القبور.


    4- الليل والنهار. 5-من غدير القطعة من الماء يغادرها السيل 6- الصبر.


    7-غلب. 8-المصيبة 9-يلصق ويلزم .


    في هذه الأبيات نرى أن الخنساء دائمة البكاء والحزن والألم على أخيها ولم
    تعد تقوى على الصبر ، ودموعها لا تجف ، فهي - دائما - منهمرة بغزارة كالمطر
    ، وعزاؤها لأخيها صخر مستمر.


    من حس(1) لي الأخوين كالغصنين أو من راهما


    أخوين كالصقرين لم ير ناظر شرواهمـا(2)


    قرميــن لا يتظالمان ولا يرام حماهـا


    أبكي على أخـوي والقبــر الذي واراهما


    لا مثل كهلي في الكهول ولا فتى كفتاهما


    وهنا يظهر في أبياتها المدح والثناء لأخويها صخر ومعاوية وذكر مآثرهما، والبكاء عليهما ، وعلى القبر الذي واراهما .


    ومن شعرها أيضا:.


    يذكرني طلوع الشمس صخراً وأذكره لكل غروب شـمس


    ولولا كثرة الباكيـن حولي على إخوانـهم لقتـلت نفسـي


    وما يبكون على أخي، ولكن أعـزي(3) النفس عنه بالتـأسي(4)


    فلا، والله، لا أنساك حتى أفـارق مهجتي ويشـص رمسي


    فيا لهفي عليه، ولهف نفسي أيصبح في الضريح وفيه يمسي




    1- أدرك . 2- مثلهما .


    3- أصبر وأسلي. 4- التصبر .






    وفي الأبيات السابقة ، وصفت الخنساء أخاها صخر بصفتين جميلتين ؛ أولاها :
    طلوع الشمس ، وفيه دلالة على الشجاعة ، وثانيهما : وغروب الشمس ، وفيه
    دلالة على الكرم ، وأيضا تبكيه وتعزي نفسها بالتأسي عليه، وأكدت بالقسم (
    فلا والله) على أنها لن تنساه أبداً. وفي يوم من الأيام طلب من الخنساء أن
    تصف أخويها معاوية وصخر، فقالت: أن صخرا كان الزمان الأغبر، وذعاف الخميس
    الأحمر. وكان معاوية القائل الفاعل. فقيل لها: أي منهما كان أسنى وأفخر ؟
    فأجابتهم : بأن صخر حر الشتاء ، ومعاوية برد الهواء. قيل: أيهما أوجع
    وأفجع؟ فقالت: أما صخر فجمر الكبد ، وأما معاوية فسقام الجسد. ثم قالت:


    أسدان محمرا المخالب نجـدة بحران في الزمن الغضوب الأنمر(1)


    قمران في النادي رفيعا محـتد في المجـد فرعـا سؤدد مخـير


    وعندما كانت وقعة بدر قتل عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة، فكانت
    هند بنت عتبة ترثيهم، وتقول بأنها أعظم العرب مصيبة. وأمرت بأن تقارن
    مصيبتها بمصيبة الخنساء في سوق عكاظ ، وعندما أتى ذلك اليوم، سألتها
    الخنساء : من أنت يا أختاه؟ فأجابتها : أنا هند بنت عتبة أعظم العرب مصيبة،
    وقد بلغني أنك تعاظمين العرب بمصيبتك فبم تعاظمينهم أنت؟ فقالت: بأبي عمرو
    الشريد ، أخي صخر ومعاوية . فبم أنت تعاظمينهم؟ قالت الخنساء: أوهم سواء
    عندك؟ ثم أنشدت هند بنت عتبة تقول:














    1- الشبيه بالنمر.








    أبكي عميد الأبطحين(1) كليهما ومانعها من كل بــاغ يريدهـا


    أبي عتبة الخيرات ويحك فاعلمي وشيبة والحامي الذمار وليدهــا


    أولئك آل المجد من آل غـالب وفي العز منها حين ينمي عديدها


    فقالت الخنساء:


    أبكي أبي عمراً بعــين غزيـرة قليل إذا نـام الخلـي هجـودها(2)


    وصنوي (3)لا أنسى معاوية الــذي له من سراة الحرتيـن(4) وفودها


    و صخرا ومن ذا مثل صخر إذا غدا بساحته الأبطال قــزم(5) يقودهـا


    فذلك يا هنـد الـرزية فـاعـلـمي ونيـران حـرب حين شب وقودها


    6- سبب حب الخنساء لصخر ورثائها له خاصة:.


    وقد كان أكثر مراثيها في أخيها صخر ويعود الإكثار من رثائها له خاصة إلى
    مواقفه الرائعة وصلاته الحميمة بأخته وبرّه بها وعطفه عليها وإيثارها بما
    لديه من مال على نفسه وأهله. مما عمّق محبته في قلبها ومكّن لهذه المحبة من
    أن تسود فؤادها، والإحسان قيدُ وفاءٍ للنفوس الحرة، ومَن وجد الاحسان
    قيداً تقيّدا، وكذلك كانت الخنساء مع أخيها صخر، فقد تجاوز في كرمه معها
    إلى ما هو أكثر من حدود صلة الرحم حيث بلغت صلته بأخته ورعايته لها وحنوّه
    عليها ومواساتها ما لا يقدر عليه سوى من استطاع أن يفعل مثل ما فعل، ومن
    إكرامه لها وتقديرها ما ذكرته في هذا المجال: انها تزوجت برجل من عشيرتها
    متلاف للمال فأنفق ماله كله حتى لم يعد يملك شيئاً فأشارت عليه بأن يذهبا
    إلى أخيها صخر، فقسم ماله شطرين وأعطاهما خيريء الشطرين، فلما عاتبته
    زوجته قائلة:


    : أما يكفي أن أعطيتهما شطر مالك حتى تعطيهما خيريء الشطرين لم يلتفت إلى
    كلامها، وحين عادت أخته إليه مع زوجها مرتين بعد ذلك كان يفعل مثل ما
    فعل في المرة الأولى يشاطرهما ماله ويخصهما بأفضله، ولو امتد به العمر
    واستزادته عدة مرات لاستمر في عطائه لها في غير مَنّ منه ولا ضيق بطلباتها.
    بل إنه




    1- أرادت بها مكة 2- النوم


    3- شقيقي 4- أرض ذات حجارة سوداء كأنها أحرقت بالنار وأرادت هنا مكانين بعينهما لعلهما حرة سليم وحرة واقم.


    5- الصغير الجثة الذي لاغنى عنه .


    ليخصها بأفضل ما يملك ويخيّرها وزوجها لاختيار الأفضل. لذلك حملت له في
    نفسها هذا الجميل في حياته وبعد مماته، مما اقتضاها الوفاءُ له التنويه
    بذكره والبكاءَ على فقده، فقد طوّق عنقها ورفع رأسها لدى قومها بهذا
    الإيثار الذي يندر وجوده. مما جعلها لا تمل من مواصلة رثائه ولا تنسى ذكراه
    طيلة حياتها، فرفعت ذكره في دنياها وخلّدت اسمه في ديوان الرثاء العربي .


    فهي تذكره في كل أحوالها وتحاول أن تُعزّي نفسها بالصبر حين ترى الباكين
    حولها على فقد أعزّائهم، ولكنها مع ذلك تظل تعدّد مزاياه وكأنها تُعرّف
    بمكانته وما يتصف به من جميل السجايا وحميد الصفات. مما أهّله لأن يحتل بين
    قومه مكانة متميزة، فتعلن مواقفه الرائعة وأفعاله الشامخة من شجاعة وسخاء
    ورجولة ووفاء وحفظ للجار وصيانة للشرف، وسيادته بتلك الخصال التي لا تتوافر
    إلاّ في النادر من الرجال:


    وإنّ صخراً لوالينا وسيدنا


    وإن صخراً إذا نشتو لنحار(1)


    وإنّ صخراً لمقدام إذا ركبوا


    وإن صخراً إذا جاعوا لعقّار(2)


    حمّال ألوية هباط أودية


    شهّاد أندية للجيش جرار


    نحار راغية(3) قتال طاغية


    فكّاك عانية للعظم جبّار


    لم ترَه جارة يمشي بساحتها


    لريبة حين يُخلي داره الجار


    وهي تنثر مفرداتها كالسبائك الذهبية التي تنسج منها أوصافاً ترى أن أخاها
    مؤهل لها في ألفاظ متألقة متناسقة متماسكة على النحو التالي:


    المجد حُلّته والجود علّته


    والصّدق حوزته إن قرنه(4) هابا


    خطّاب محفلة فراج مَظلمة


    إن هاب معضلة أتى لها بابا


    7- نظرة المستشرقين إلى رثاء الخنساء:.


    وقد وضعها ابن سلاّم بين طبقات الشعراء الكبار في كتابه: (طبقات فحول
    الشعراء). وهذا التفرد الذي اختصت به شاعرتنا في مجال الرثاء لفت إليها بعض
    المستشرقين،




    1-كناية عن الكرم 2- كناية عن الكرم 3-الناقة 4- القرين النظير


    فقد قام المستشرق الفرنسي دي كوبيه بترجمة ديوانها إلى الفرنسية عام 1889م
    كما قدّم المستشرق الايطالي غبريالي دراسة بالايطالية عن حياتها وشعرها،
    وكذلك فعل المستشرق الألماني رودو كاناكيس، فقد أعدّ بحثاً عنها وعن
    مراثيها.. وكانت شهرتها بما برزت فيه من فنون الشعر في فن الرثاء فقد
    تميزّت برقة العاطفة وسمو المشاعر وروعة التصوير في ابراز جسامة المأساة
    وحدّة المعاناة، فكان إبداعها في شعر الرثاء الذي كان أهمَّ ما برزت فيه
    وأجادته، وفيه تألّقت حين تعمل على تجسيم أحزانها فهي تختزن في ذاتها وهجاً
    من عواطف ملتهبة ومشاعر مكبوتة تنطلق مع التعبير الذاتي عن المواجع
    الإنسانية، فالرثاء إنما يصدر عن روح فياضة بالشجن مشحونة بالألم، والخنساء
    كذلك. مما جعلها في مقدمة شعراء المراثي.


    8- الشاعرة التي بكت أخويها ولم تبك أبنائها الأربعة:.


    وقد كتب الأستاذ فاروق شوشة في مجلة العربي(1) تحت عنوان: (الشاعرة التي
    بكت أخويها ولم تبكِ أبناءها الأربعة!) أشار فيما كتب إلى بكائها على
    أخويها وعدم بكائها على أبنائها الأربعة مشيراً إلى تعجّب الدكتورة بنت
    الشاطئ من رثائها لأخويها دون أبنائها ووصءفها ذلك بأنه: "انحراف في طبيعة
    تماضر جعل عاطفة الأخوّة فيها تطغى على عاطفة الأمومة التي هي جوهر
    الأنوثة"..


    وانتهى الكاتب في هذا المضمون إلى أنه "بقي لنا بكاء الخنساء ورثاؤها
    لأخوءيها. أما صمتها الشعري عن استشهاد أبنائها الأربعة فقد دخل في عداد
    المسكوت عنه في شعرنا العربي".. وقد اكتفى الكاتب في هذا المجال بذكر أن
    بكاء الخنساء أخويها لأنهما ماتا على الجاهلية. أما عدم بكائها لأبنائها
    الأربعة فلأنهم استشهدوا في سبيل الله مجاهدين دفاعاً عن الإسلام، فكيف
    تبكيهم شعراً وقد شرّفهم الله بالشهادة؟


    9- صور من حياة الصحابية الخنساء :.


    (الخنساء) تماضر بنت عمرو بن الشريد بن رباح السلمية ، صحابية جليلة ،
    وشاعرة مشهورة ، قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم مع قومها بني سليم ،
    فأسلمت معهم.


    كانت الخنساء تقول البيتين أو الثلاثة حتى قتل أخوها شقيقها معاوية بن
    عمرو ، وقتل أخوها لأبيها صخر ، وكان أحبهما إليها لأنه كان حليماً جوداً
    محبوباً في العشيرة ، كان غزا بني أسد ، فطعنه أبو ثور الأسدي طعنه مرض
    منها حولاً ثم مات ، فلما قتل أخوها صخر قال ترثيه :








    1- العدد (250) شهر ذي الحجة 1422هـ






    أعيني جودا ولا تجمـدا ألا تبكيان لصـخر الندى


    ألا تبكيان الجريء الجميل ألا تبكيان الفــتى الســيدا


    طويل النجاد رفيع العماد ساد عشيرتــه أمــردا


    إذا القوم مدوا بأيديهــم إلى المجد مد إليه يــدا


    فنال الذي فوق بأيديهـم من المجد ثم مضى مصعدا


    يحمله القوم ما عالهـم وإن كان أصغرهم مولـدا


    ترى المجد يهوي إلى بيته . يرى أفضل المجد أن يحمدا


    وإن ذكــر المجد ألفيته تأزر بالمـجـد ثم ارتدى


    وقالت في رثاء معاوية:


    ألا لا أرى في الناس مثل معاوية إذا طرقت إحدى الليالي بداهية


    بداهية يصغى الكلاب حسيسها وتخرج من سر النجي علانية


    وكان لزاز الحرب عند نشويها إذا سمرت عن ساقها وهي ذاكية


    وقواد خيل نحو أخرى كأنها ســعال وعقبان عليها زبانية


    بلينا وما تبلى تعار وما ترى على حدث الأيام إلا كما هيه


    فأقسمت لا ينفعك دمعي وعولتي عليك بحزن ما دعا الله داعية


    لقد كانت شهرة الخنساء رضي الله عنها قد ذاعت وطار صيتها في كل مكان ، وخاصة من خلال مراثيها التي سارت بها الركبان .


    وهي إلى شاعريتها صاحبة شخصية قوية ، تتمتع بالفضائل والأخلاق العالية ، والرأي الحصيف ، والصبر والشجاعة .


    وإن موقفها يوم القادسية لدليل واضح على صبرها وشجاعتها ، فقد خرجت في هذه
    المعركة مع المسلمين ومعها أبناؤها الأربعة ، وهناك ، وقبل بدء القتال
    أوصتهم فقالت : يا بني لقد أسلمتم طائعين ، وهاجرتم مختارين ، ووالله الذي
    لا إله إلا هو إنكم بنو امرأة واحدة ، ما خنت أباكم ، ولا فضحت خالكم ..


    إلى أن قالت : فإذا أصبحتم غداً إن شاء الله سالمين ، فاغدوا إلى قتال
    عدوكم مستبصرين ، وبالله على أعدائه مستنصرين ، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت
    عن ساقها ، وجعلت ناراً على أوراقها ، فتيمموا وطيسها ، وجالدوا رئيسها عند
    احتدام خميسها ، تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة.


    فلما أصبح أولادها الأربعة باشروا القتال واحداً بعد واحد حتى قتلوا ، وكل منهم أنشد قبل أن يستشهد رجزاً ، فأنشد الأول :


    يا إخوتي إن العجوز الناصحة قد نصحتنا إذ دعتنا البارحة


    بمقالة ذات بيان واضحــة وإنما تلـقون عند الصـابحة


    من آل ساسان كلاباً نابحة


    وأنشد الثاني :


    إن العجوز ذات حزم وجلد قد أمرتنا بالسداد والرشد


    نصيحة منها وبراً بالولـد فباكروا الحرب حماة في العدد


    وأنشد الثالث :


    والله لا نعصي العجوز حرفاً نصحاً وبراً صادقاً ولطفاً


    فبادروا الحرب الضروس زحفاً حتى تلقوا آل كسرى لـفا


    وأنشد الرابع :


    لست لخنســاء ولا للأقـرم ولا لعمرو ذي النساء الأقدم


    إن لم أراه في الجيش خنس الأعجمي ماض على الحول خضم خضرم


    وبلغ الخنساء خير مقتل أبنائها الأربعة فقالت : (الحمد لله الذي شرفني بقتلهم ، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته).


    وقفلت الخنساء عن ميدان القادسية وقد فتح الله تعالى على المسلمين. عادت
    إلى المدينة ، وعلم بها عمر رضي الله عنه فعزاها في أبنائها ، وكان يعطيها
    أرزاق أولادها الأربعة حتى قبض.


    ثم انصرفت إلى البادية ، إلى مضارب قومها بني سليم ، وقد أنهكتها الأيام
    والأعوام ، وما لبثت أن فارقت الحياة مع مطلع خلافة عثمان بن عفان رضي الله
    عنه.








    10- الخنساء وقدرة الله عز وجل:.


    من أراد أن يعرف كيف يُقلّب الله القلوب من حال إلى حال ، وكيف يصنع النفوس
    الأبية صنعا يثيرالإعجاب ، وكيف ينزع منها العبث والهزل والقنوط ويبعث
    فيها الرجاء والأمل والرضا بالقضاء والقدر - فلينظر إلى الخنساء بنت عمرو
    بن الشريد الأسلمية كيف كانت في الجاهلية ثم كيف صاغها الإسلام صياغة جديدة
    ، وتحولت معها إلى امرأة مجاهدة صبور ، تحرض أولادها على الجهاد في سبيل
    كتاب الله وتدفعهم إلى ميادين القتال لكي يسطروا على البطولة والتضحية لكي
    تنال باستشادهم هناء الدارين دار الدنيا ودار الآخرة فقد أسلمت رضي الله
    عنها مع وفد من قومها وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسن إسلامها
    ، وتركت الشعر جانباً ، واشتغلت بتلاوة القرآن الكريم ، وما كانت تنشد
    الشعر بعد إسلامها إلا في مناسبات خاصة . وقد حضرت موقعة القادسية بين
    المسلمين والفرس في السنة الرابعة عشرة من الهجرة في عهد الفاروق عمر بن
    الخطاب رضي الله عنه ومعها بنوها الأربعة ، فقالت لهم حين نادى سعد بن أبي
    وقاص حي على الجهاد :- يا بني لقد أسلمتم طائعين ، وهاجرتم مختارين ،
    ووالله الذي لا إله إلا هو إنكم بنو رجل واحد ، ما خنت أباكم ،ولا فضحت
    خالكم، ولا هجنت حسبكم، ولا غيرّت نسبكم، و تعلمون ما أعد الله للمسلمين من
    الثواب الجزيل في حرب الكافرين ، واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار
    الفانية . يقول الله تعالى : ) يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا
    واتقوا الله لعلكم تفلحون )(1) فإذا أصبحتم غداً إن شاء الله سالمين ،
    فاغدوا على قتال عدوكم مستبصرين وبالله على أعدائه مستنصرين ، فإذا رأيتم
    الحرب قد شمرت عن ساقها وحلّت ناراً على أوراقها ، فتيمموا وطيسها، وجالدوا
    رئيسها عند احتدا ء خميسها ، تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد
    والمقامة . وأعانتهم بكل ما استطاعت من قوة مادية ومعنوية ، وزودتهم
    بالنصائح الغالية ، وأوصتهم بأن يكروا ولا يفروا ، وأن يقدموا ولا يحجموا
    .وليس هناك كلمات أبلغ من هذه الكلمات التي تفجرت من ينابيع حكمتها فبعثت
    في نفوسهم دوافع الشجاعة والإقدام، وألهبت في نفوسهم الحمية المحمودة في
    مثل هذه المواقف البطولية ، وغرست في نفوسهم حب الاستشهاد في سبيل الله
    فأقبلوا على الحرب يتوسطون جموع العدو، ويضربون فوق العناق بكل قوة وشراسة ،
    لا يبالون أسقطوا على الموتى أم سقط الموتى عليهم . فهي قدمتهم جميعاً إلى
    أتون المعارك ، ولم تدخر منهم أحداً يعولها أو يقوم بشأنها ، لأنها تحسن
    التوكل على الله ، وتثق في فضله العظيم ، وترجوا من أعماق قلبها أن ينتصر
    المسلمون نصراً عزيزاً على تلك القوة الغاشمة التي جاءت من كل صوب وحدب
    بأعداد غفيرة لا أول لها ولا آخر ،




    1- سورة آل عمران آية 200


    ومعهم من العتاد والعدد ما لا يكاد يحصى ولا يُعد .


    لقد جاءوا ومعهم الفيلة التي لا تقف أمامها الجيوش الجرارة ،و لاتستطيع أن
    تقهرها قوة مهما كان لديها من سلاح ، في الوقت الذي لم يكن المسلمون يملكون
    من السلاح إلا السيوف والرماح وقليل من الخيل المسومة ، ولم يكن لديهم من
    الأقوات ما يكفيهم ، ولم يكن عددهم كبير بل كانوا نحو أربعة آلاف رجل ،
    ولكنهم كانوا في ذروة الإيمان بالله تعالى ومقبلون عليه راغبون في خوض غمار
    تلك المعركة الضارية الشرسة مع جنود الفرس ، فقد باعوا أنفسهم لله ، لا
    يخشون الموت في سبيله ، بل يستحبون الموت في مثل هذه المعارك ، لينالوا شرف
    الشهادة وثوابها العظيم،مؤمنين بقوله عز وجل (إن الله اشترى من المؤمنين
    أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً
    عليه حقاً فى التوراه والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا
    ببيعكم الذى بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم)(1) . وكان سعد بن أبي وقاص هو
    القائد في هذه المعركة ، وهو قائد ملهم ، وفارس معلم يحسن التدبير ، ويحكم
    وضع الخطط الحربية ، ويعرف من أين يأتي العدو وكيف يأخذه على غرة ، وكيف
    يتغلب على كثرته وقوة سلاحه بحسن الحيلة وأخذ الحيطة والحذر ،وبعد عدة
    جولات شديدة البأس - انتصر المسلمون على عدوهم انتصاراً عظيماً في يوم
    مشهود ، فقد استطاع المسلمون بإذن الله تعالى أن يتعاملوا مع الفيلة حتى
    ردوها على أدبارها ، فانقلبت على من أتى بها ففرقت جموعهم وأحدثت بينهم
    دماراً شاملاً ، ففروا من الميدان خزايا مهزومين ، وقتل قائدهم رستم في هذه
    المعركة التي زلزلت أقدامهم وأذهبت ريحهم وشتت شملهم ، وقذف الله الرعب في
    قلوبهم .(ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز((2)


    وبعد انتهاء المعركة الفاصلة سألت الخنساء عن أبنائها الأربعة فأخبروها
    أنهم قد استشهدوا جميعاً ، فتلقت هذا الخبر بالصبر والرضا والجلد ،
    واحتسبتهم عند الله عز وجل ، وكفكفت دمعها ، وتخففت من حزنها ، فلم ترثهم
    كما كانت ترثي أخاها صخراً في الجاهلية . فالإسلام قد هذبها ، وأمدها بقوة
    إيمانية تجعلها قادرة على المثابرة في مثل هذه المصاب الجلل والإيمان نصفه
    صبر ونصفه شكر .)وبشر الصابرين الذين إذا أصباتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا
    إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) (3)
    أتدري ماذا قالت حين علمت باستشهاد أبنائها الأربعة ؟ قالت : " الحمد لله
    الذي شرفني بقتلهم ، وأرجوا من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته " .هكذا
    استقبلت الخنساء : تماضر بنت عمرو الأسلمية نبأ استشهاد أبنائها الأربعة
    فما وهنت وما ضعفت وما استكانت وما تفوهت بما تتفوه به الثكلى عادة لعلمها
    بأنها ستلحق بهم وتحشر معهم إن شاء الله وتلقى جزاء الصابرين من جنات
    النعيم






    1- سورة التوبة آية 111. 2-سورة الحج آية 40.


    3- البقرة 155




    . وظلت الخنساء عازفة عن حياة الدنيا ، زاهدة في متاعها الفاني ، مشغولة
    بذكر الله وتلاوة القرآن ، حتى لقيت ربها عز وجل صابرة شاكرة، فكانت مثال
    للمؤمنات الصالحات في التضحية والفداء ، وقدوة لهن في الصبر على المكاره
    ومواجهة الشدائد بصدر رحب وقلب مطمئن، كما كان أولادها الأربعة مثالاً
    رائعاً في البطولة والنضال، وقدوة لكل مسلم يحرص على الموت من أجل أن توهب
    له الحياة .


    . قال تعالى( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون)(1) (2)

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس 21 نوفمبر - 9:02:23