وداع عام واستقبال عام جديد
الحمد لله الواحد القهار ربِّ السموات والأرض وما بينهما العزيز الغفار الحمد الله حكَم بالفناء على أهل هذه الدّار وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله حذر من الركون إلى هذه الدار , وأمر بالإستعداد لدار القرار اخواني الاعزاء وإن الليالي والأيام جعلها المولى تبارك وتعالى مواقيت للأعمال ومقادير للآجال، تنقضي جميعًا وتمضي سريعًا، والذي أوجدها وقدر ما فيها باقي لا يزول ودائم لا يحول، وأما الخلق فمصيره في هذه الدار للفناء، وكل ما على صعيد الأرض كائن للتراب قال تعالى (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ الرحمن 26) خذوا من تعاقب الليالي والأيام وتصرم الشهور والأعوام أعظم العبر وأبلغ العظات، ألا ترون أن الليل والنهار يتراكضان، وأنكم بمرورهما في آجال منقوصة وأعمال محفوظة فالأعمار تفني، والآجال تدني، وصحائف الأعمال تطوي، والأبدان في الثرى تبلى، أليس في ذلكم للعاقل أعظم العبر وأبلغ العظات وقد كان السلف الصالح يجعلون من مرور الأيام والسنين مدّكرًا ومزدجرًا، فكانوا يستحيون من الله أن يكونوا اليوم على مثل حالهم بالأمس، قال بعضهم كيف يفرح مَن يومه يهدم شهره، وشهره يهدم سنته، وسنته تهدم عمره كيف يفرح من عمره يقوده إلى أجله، وحياته تقوده إلى موته.فيا من قد بَقِي من عمُره القليل، ولا يدرِي متى يقَع الرّحيل، يا مَن تُعدّ عليه أنفاسه استدرِكها، يا من ستفوت أيامه أدرِكها، نفسك أعزُّ ما عليك فلا تهلِكها، فعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله: "كلُّ النّاس يغدو، فبائعٌ نفسَه فمُعتِقُها أو موبقها" أخرجه مسلم. اخواني ذهب عامُكم شاهدًا لكم أو عليكم، فاحتقِبوا زادًا كافيًا، وأعِدّوا جوابًا شافيًا، واستكثِروا في أعمارِكم من الحسنات، وتدارَكوا ما مضَى من الهفَوات، وبادروا فرصةَ الأوقات، قبلَ أن يناديَ بكم منادي الشتات ويفجَأكم هادم اللّذات، فعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبيَّ وهو يَعِظ رجلاً ويقول له: اغتنم خمسًا قبلَ خمسٍ: شبابَك قبل هرَمِك، وصحَّتَك قبل سقمَك، وغِناك قبل فقرك، وفراغك قبلَ شغلك، وحياتك قبل مَوتِك، فما بعد الدنيا من مستَعتَب، ولا بعد الدنيا دارٌ إلا الجنة أو النار.يقول الحسن البصري رحمه الله: أدركت أقواماً لا يفرحون بشيء من الدنيا أتوه، ولا يأسفون على شيء منها فاتهم، ولقد كانت الدنيا أهون عليهم من التراب الذي يمشون عليه.
قدوتهم في ذلك محمد صلى الله عليه وسلم الذي ارتسمت على لسانه نظرته إلى الدنيا بقوله في الحديث الصحيح: ((مالي وللدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب قال في ظل شجرة ثم راح وتركها))
أحبتي في الله، ينبغي للمسلم أن يقف مع نفسه ويحاسبها محاسبة جادة قبل أن تحاسب، قال عمر بن الخطاب: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا). ومعنى المحاسبة كما قال الماوردي: "أن يتصفح الإنسان في ليله ما صدر من أفعال نهاره، فإن كان محمودًا أمضاه وأتبعه بما شاكله وضاهاه، وإن كان مذمومًا استدركه وانتهى .اعلموا رحمني الله وإياكم أن الليل والنهار مطيتان، يباعدانك من الدنيا، ويقربانك من الآخرة، فطوبى لعبد انتفع بعمره. وسبحان الله! تتجدّد الأعوام فنقول: إنّ أمامنا عامًا جديدًا، نراه طويلاً، لكن سرعان ما ينقضي، فطوبى لعبد انتفع بعمره، فاستقبل عامه الجديد بمحاسبة نفسه على ما مضى، وتاب إلى الله عز وجل، وعزم على أن لا يضيع ساعات عمره إلا في خير، متذكرا قول نبيه: ((خيركم من طال عمره وحسن عمله)) حديث صحيح، لاهجا بدعاء النبي : ((اللهم اجعل الحياة زيادة لي في كل خير، والموت راحة لي من كل شر)) حديث صحيح.إننا نودع عاما ماضيا شهيدا علينا بما أودعنا فيه من الحسنات والسيئات وبما عملنا فيه من الباقيات الصالحات وبما ارتكبنا فيه من المعاصي والمخالفات نودع عاما مضى من أعمارنا سوف يسألنا الله عنه ونستقبل عاما جديدا لا ندري كم لنا فيه من الليالي والأيام؟ نستقبل عاما جديدا يقربنا من الآخرة ويبعدنا عن الدنيا
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]