الفصل الثاني
في اللحن
اعلم أن اللحن يستعمل في الكلام على معانٍ منها: اللغة، والفِطنة، والضرب من الأصوات الموضوعة، والخطأ ومخالفة الصواب، وبه سُمّي الذي يأتي بالقراءة على ضد الإعراب لَحَّانًا، وسمي فعله اللحن؛ وهذا المعنى هو مقصودنا في الإبانة عنه.
واللحن على ضربين:
الأول: لحن مخِلٌّ بالمعنى، وهو تغيير بعض الحركات عما ينبغي، نحو أن تضم التاء في قوله تعالى: {أنعمتَ عليهم} أو تكسرها، ونحو أن تفتح الباء في قوله تعالى: {إيَّاك نعبُدُ}، ومن اللحن قراءة {الذين} بالزاي. وهذا اللحن في القرءان حرام لأنه يخل بالمَبنَى أي اللفظ أو الإعراب.
والثاني: لحن لا يخل بالمعنى نحو أن تكسر نون: {نعبُدُ} في قوله تعالى: {إيَّاك نعبُدُ} وهذا اللحن يحرم تعمده.
أما الإخلال بالترقيق والتفخيم وسائر المدود سوى المدّ الطبيعي وترك الإقلاب والقلقلة والإخفاء والغنة وتطنين النونات، وإظهار المخفي ونحو ذلك، فلا يأثم من أخلّ به في حال القراءة، لأن في إيجاب ذلك لكل قارئ حرجًا. (أما تكرير الراءات فلا يُطلق القول بأنه ليس فيه إثم).
وهذا الضرب من اللحن يسمى بالخفي لأنه لا يعرفه إلا القارئ المتقِن والضابط المجود الذي أخذ عن الأئمة، وتلقن من ألفاظ أفواه العلماء الذين تُرتضى تلاوتهم ويوثق بهم.
وقول بعض بوجوب مراعاة ما أجمع عليه القراء من مد وقصر وترقيق وتفخيم وإظهار ونحو ذلك هو غير صحيح، لأنه يؤدي إلى الحرج ولم يجعل الله في الدين من حرج، فلذلك لم يأخذ الشيخ زكريا الأنصاري بظاهرِ قول ابن الجزري:
والأخذُ بالتجويدِ حَتمٌ لازمُ * مَنْ لم يُجوّد القُرَانَ ءاثمُ
بل ذكر الشيخ زكريا الأنصاري في شرحه على الجزرية أنه في نسخة أخرى:
مَنْ لم يُصَحّح القرانَ ءَاثِمُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل الثالث :الغنه
الغنة: تعريفها، والمواضع التي تطلب فيها
الغنةُ هي نون خفية مخرجها الخيشوم لا غير، والخيشوم منتهى الأنف.
والمواضع التي تطلب فيها الغنة:
1) النون المشددة والميم المشددة يغنّان دائمًا مثل: "إنَّا" و: "لَمَّا".
2) والميم الساكنة قبل الباء تغن مثل: "أَمْ بِهِ".
3) والنون الساكنة والتنوين يغنان إلا إذا جاء بعدهما حرف من حروف الحلق وهي: الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء، فإنهما حينئذ يظهران، وكذلك إذا جاء بعدهما لام أو راء فإنهما يدغمان إدغامًا كاملاً بلا غنة.
ومقدار الغنة حركتان، قال ابن الجزري في التمهيد: "واحذر إذا أتيت بالغنة أن تمد عليها فذلك قبيح" اهـ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل الرابع :
في ذكر أحكام النون الساكنة والتنوين
التنوين: هو نون ساكنة تلحق ءاخر الاسم تظهر في اللفظ والوصل وتسقط في الخط والوقف. والنون الساكنة تكون في ءاخر الكلمة وفي وسطها، وتثبت لفظًا وخطًّا ووصلاً ووقفًا.
وهذا الفصل ينقسم إلى أربعة أقسام:
* القسم الأول: الإظهار:
الإظهار لغةً هو البيان، واصطلاحًا معناه: إخراج كل حرف من حروفه من مخرجه من غير غنة.
وحقيقته أن النون الساكنة والتنوين يظهران عند ستة حروف هي حروف الحلق لأنها تخرج منه، اثنان من أقصى الحلق وهما: الهمزة والهاء، واثنان من وسطه وهما: العين المهملة والحاء المهملة، واثنان من أدناه وهما: الغين المعجمة والخاء المعجمة، فعلم من ذلك أن مخارج الحلق ثلاثة وحروفه ستة وهي: الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء، نحو: {من إله} و: {رسولٌ أمين}، و: {من هاجر}، و: {جُرُفٍ هارٍ}، و:{من عندِ}، و:{أجرٌ عظيم}، و:{من حكيم}، و:{وخيراتٌ حِسَان}، و:{من غِلٍّ}، و:{ماءٍ غيرِ}، و:{من خوف}، و:{نداءً خفيًّا}.
والعلة في إظهار ذلك أن النون والغنة بَعُدَ مخرجهما عن مخارج حروف الحلق.
* القسم الثاني: الإدغام:
والإدغام لغة: إدخال الشىء في الشىء، واصطلاحًا: التقاء حرف ساكن بمتحرك فيصيران حرفًا واحدًا مشددًا يرتفع اللسان عنده ارتفاعةً واحدة.
واعلم أن النون الساكنة والتنوين يدغمان في ستة أحرف هي: الياء المثناة من تحت، والراء والميم واللام والنون والواو مجموعة في قول القراء: "يرملون". وهي على قسمين:
الأول: الإدغام بلا غنة:
وهو أن يدغما في اللام والراء إدغامًا كاملاً بلا غنة نحو:{من لم}، و:{لا عبرةً لمن}، و:{من ربّكم}، و:{محمدٌ رسول الله}.
وعلة ذلك قُرب مخرج النون والتنوين من مخرج اللام والراء لأنهن من حروف طرف اللسان، فتمكّن الإدغام وذهبت الغنة في الإدغام.
الثاني: الإدغام بغنة:
وهو أن يدغما في الأربعة الباقية من: "يرملون"، مجموعة في حروف "ينمو" فتدغم إدغامًا غيرَ مستكمَل التشديد لبقاء الغنة نحو:{من يقومُ}، و:{برْقٌ يجعلون}، و:{من ورائهم}، و:{وهدًى ورحمة}، و:{من مآءٍ}، و:{صراطٍ مستقيم}، و:{مِن نعمة}، و:{حطّةٌ نغفر}.
وعلة الإدغام في النون التماثلُ، وفي الميم التجانسُ في الغنة، وفي الواو والياء أن الغنة التي في النون أشبهت المد واللين اللذين في الياء والواو فتقاربا بهذا فَحسُنَ الإدغام، وتدغم الغنة مقدار حركتين.
ويستثنى من ذلك ما لو كان المدغَم والمدغم فيه كلمةً واحدة فلا تدغم بل ينبغي إظهارها لئلا تلتبس الكلمة بالمضاعف وهو ما تكرر أحد أصوله، لذلك قالوا لا تدغم النون الساكنة في الواو والياء إذا اجتمعا في كلمة نحو:{صنوان}، و:{والدنيا}.
* القسم الثالث: الإقلاب:
ومعناه لغة: تحويل الشىء عن وجهه وتحويل الشىء ظهرًا لبطن، واصطلاحًا: جعل حرف مكان ءاخر مع الإخفاء لمراعاة الغنة.
وحقيقته أن النون الساكنة والتنوين إذا وقعتا قبل الباء يقلبان ميمًا مخفاة في اللفظ من غير إدغام ولا تشديد، على أن فيه غنة، ومقداره حركتان. وذلك نحو:{من بعد}، و:{أنبِئْهم}، و:{عليهمٌ بذات الصدور}.
والعلة في ذلك أن الميم مؤاخية للنون في الغنة والجهر، ومؤاخية للباء لأنها من مخرجها، ومشارِكةٌ لها في الجهر، فلما وقعت النون قبل الباء وتعذَّر إدغامها فيها لبعد المخرجين، ولا (أي تعذر) أن تكون ظاهرة لشبهها بأخت الباء وهي الميم أُبدلت منها ميمًا لمؤاخاتها النون والباء.
أما إدغام الباء في الميم فهو حسن، وقد قرئ في قوله تعالى:{اركب معنا}، ولا بد من إظهار الغنة لأنك أبدلت من الباء ميمًا ساكنة، وفيها غنة.
* القسم الرابع: الإخفاء:
ومعناهُ لغة: الستر، واصطلاحًا: عبارة عن النطق بحرف بصفة بين الإظهار والإدغام عار عن التشديد مع بقاء الغُنة في الحرف الأول وهو النون الساكنة والتنوين. ويفارق الإخفاءُ الإدغامَ لأنه بين الإظهار والإدغام.
وحقيقته إخفاء النون الساكنة والتنوين عند باقي الحروف التي لم يتقدم لها ذكر، وهي خمسة عشر حرفًا، يتضمنها أوائل كلمات هذا البيت:
صِفْ ذَا ثَنا كَمْ جَادَ شَخْصٌ قَدْ سَما * دُمْ طَيبًا زِدْ في تُقًى ضَعْ ظَالما
نحو:{ولمن صبر}؛ و:{وانصرنا}، و:{ريحًا صرصرًا}، و:{من ذلكَ}، و:{فأنذرتُكم}، و:{سراعًا ذلكَ}، و:{أن ثبتناك}، و:{منثورًا}، و:{ماء ثجّاجًا}، و:{من كان}، و:{أن تنكحوهنّ}، و:{قرية كانت}، و:{من جوعٍ}، و:{أنجانا}، و:{حُبًّا جمًّا}، و:{من شآءَ}، و:{يُنشىءُ}، و:{نفسٌ شيئًا}، و:{من قبلُ}، و:{منقلبون}، و:{شىءٍ قديرٌ}، و:{من سوءٍ}، و:{منسأتَه}، و:{بابٍ سلام}، و:{من دابةٍ}، و:{أندادًا}، و:{مستقيم دينًا}، و:{وإن طائفتانِ}، و:{قومًا طاغين}، و:{من زوال}، و:{أنزلنا}، و:{من فواقٍ}، و:{الإنفاق}، و:{وعميٌ فهُم}، و:{من تحتها}، و:{كنتم}، و:{جناتٍ تجري من تحتها الأنهار}، و:{إن ضللتُ}، و:{منضود}، و:{قومًا ضالين}، و:{من ظُلِم}، و:{ينظرون}، و:{قومٍ ظلموا}.
والعلَّة في إخفاء النون الساكنة والتنوين عندما ذكرنا أن النون قد صار لها مخرجان مخرج لها ومخرج لغنتها، فاتسعت في المخرج فأحاطت عند اتساعها بحروف الفم، فشاركتها بالإحاطة فخفيت عندها.
في اللحن
اعلم أن اللحن يستعمل في الكلام على معانٍ منها: اللغة، والفِطنة، والضرب من الأصوات الموضوعة، والخطأ ومخالفة الصواب، وبه سُمّي الذي يأتي بالقراءة على ضد الإعراب لَحَّانًا، وسمي فعله اللحن؛ وهذا المعنى هو مقصودنا في الإبانة عنه.
واللحن على ضربين:
الأول: لحن مخِلٌّ بالمعنى، وهو تغيير بعض الحركات عما ينبغي، نحو أن تضم التاء في قوله تعالى: {أنعمتَ عليهم} أو تكسرها، ونحو أن تفتح الباء في قوله تعالى: {إيَّاك نعبُدُ}، ومن اللحن قراءة {الذين} بالزاي. وهذا اللحن في القرءان حرام لأنه يخل بالمَبنَى أي اللفظ أو الإعراب.
والثاني: لحن لا يخل بالمعنى نحو أن تكسر نون: {نعبُدُ} في قوله تعالى: {إيَّاك نعبُدُ} وهذا اللحن يحرم تعمده.
أما الإخلال بالترقيق والتفخيم وسائر المدود سوى المدّ الطبيعي وترك الإقلاب والقلقلة والإخفاء والغنة وتطنين النونات، وإظهار المخفي ونحو ذلك، فلا يأثم من أخلّ به في حال القراءة، لأن في إيجاب ذلك لكل قارئ حرجًا. (أما تكرير الراءات فلا يُطلق القول بأنه ليس فيه إثم).
وهذا الضرب من اللحن يسمى بالخفي لأنه لا يعرفه إلا القارئ المتقِن والضابط المجود الذي أخذ عن الأئمة، وتلقن من ألفاظ أفواه العلماء الذين تُرتضى تلاوتهم ويوثق بهم.
وقول بعض بوجوب مراعاة ما أجمع عليه القراء من مد وقصر وترقيق وتفخيم وإظهار ونحو ذلك هو غير صحيح، لأنه يؤدي إلى الحرج ولم يجعل الله في الدين من حرج، فلذلك لم يأخذ الشيخ زكريا الأنصاري بظاهرِ قول ابن الجزري:
والأخذُ بالتجويدِ حَتمٌ لازمُ * مَنْ لم يُجوّد القُرَانَ ءاثمُ
بل ذكر الشيخ زكريا الأنصاري في شرحه على الجزرية أنه في نسخة أخرى:
مَنْ لم يُصَحّح القرانَ ءَاثِمُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل الثالث :الغنه
الغنة: تعريفها، والمواضع التي تطلب فيها
الغنةُ هي نون خفية مخرجها الخيشوم لا غير، والخيشوم منتهى الأنف.
والمواضع التي تطلب فيها الغنة:
1) النون المشددة والميم المشددة يغنّان دائمًا مثل: "إنَّا" و: "لَمَّا".
2) والميم الساكنة قبل الباء تغن مثل: "أَمْ بِهِ".
3) والنون الساكنة والتنوين يغنان إلا إذا جاء بعدهما حرف من حروف الحلق وهي: الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء، فإنهما حينئذ يظهران، وكذلك إذا جاء بعدهما لام أو راء فإنهما يدغمان إدغامًا كاملاً بلا غنة.
ومقدار الغنة حركتان، قال ابن الجزري في التمهيد: "واحذر إذا أتيت بالغنة أن تمد عليها فذلك قبيح" اهـ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل الرابع :
في ذكر أحكام النون الساكنة والتنوين
التنوين: هو نون ساكنة تلحق ءاخر الاسم تظهر في اللفظ والوصل وتسقط في الخط والوقف. والنون الساكنة تكون في ءاخر الكلمة وفي وسطها، وتثبت لفظًا وخطًّا ووصلاً ووقفًا.
وهذا الفصل ينقسم إلى أربعة أقسام:
* القسم الأول: الإظهار:
الإظهار لغةً هو البيان، واصطلاحًا معناه: إخراج كل حرف من حروفه من مخرجه من غير غنة.
وحقيقته أن النون الساكنة والتنوين يظهران عند ستة حروف هي حروف الحلق لأنها تخرج منه، اثنان من أقصى الحلق وهما: الهمزة والهاء، واثنان من وسطه وهما: العين المهملة والحاء المهملة، واثنان من أدناه وهما: الغين المعجمة والخاء المعجمة، فعلم من ذلك أن مخارج الحلق ثلاثة وحروفه ستة وهي: الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء، نحو: {من إله} و: {رسولٌ أمين}، و: {من هاجر}، و: {جُرُفٍ هارٍ}، و:{من عندِ}، و:{أجرٌ عظيم}، و:{من حكيم}، و:{وخيراتٌ حِسَان}، و:{من غِلٍّ}، و:{ماءٍ غيرِ}، و:{من خوف}، و:{نداءً خفيًّا}.
والعلة في إظهار ذلك أن النون والغنة بَعُدَ مخرجهما عن مخارج حروف الحلق.
* القسم الثاني: الإدغام:
والإدغام لغة: إدخال الشىء في الشىء، واصطلاحًا: التقاء حرف ساكن بمتحرك فيصيران حرفًا واحدًا مشددًا يرتفع اللسان عنده ارتفاعةً واحدة.
واعلم أن النون الساكنة والتنوين يدغمان في ستة أحرف هي: الياء المثناة من تحت، والراء والميم واللام والنون والواو مجموعة في قول القراء: "يرملون". وهي على قسمين:
الأول: الإدغام بلا غنة:
وهو أن يدغما في اللام والراء إدغامًا كاملاً بلا غنة نحو:{من لم}، و:{لا عبرةً لمن}، و:{من ربّكم}، و:{محمدٌ رسول الله}.
وعلة ذلك قُرب مخرج النون والتنوين من مخرج اللام والراء لأنهن من حروف طرف اللسان، فتمكّن الإدغام وذهبت الغنة في الإدغام.
الثاني: الإدغام بغنة:
وهو أن يدغما في الأربعة الباقية من: "يرملون"، مجموعة في حروف "ينمو" فتدغم إدغامًا غيرَ مستكمَل التشديد لبقاء الغنة نحو:{من يقومُ}، و:{برْقٌ يجعلون}، و:{من ورائهم}، و:{وهدًى ورحمة}، و:{من مآءٍ}، و:{صراطٍ مستقيم}، و:{مِن نعمة}، و:{حطّةٌ نغفر}.
وعلة الإدغام في النون التماثلُ، وفي الميم التجانسُ في الغنة، وفي الواو والياء أن الغنة التي في النون أشبهت المد واللين اللذين في الياء والواو فتقاربا بهذا فَحسُنَ الإدغام، وتدغم الغنة مقدار حركتين.
ويستثنى من ذلك ما لو كان المدغَم والمدغم فيه كلمةً واحدة فلا تدغم بل ينبغي إظهارها لئلا تلتبس الكلمة بالمضاعف وهو ما تكرر أحد أصوله، لذلك قالوا لا تدغم النون الساكنة في الواو والياء إذا اجتمعا في كلمة نحو:{صنوان}، و:{والدنيا}.
* القسم الثالث: الإقلاب:
ومعناه لغة: تحويل الشىء عن وجهه وتحويل الشىء ظهرًا لبطن، واصطلاحًا: جعل حرف مكان ءاخر مع الإخفاء لمراعاة الغنة.
وحقيقته أن النون الساكنة والتنوين إذا وقعتا قبل الباء يقلبان ميمًا مخفاة في اللفظ من غير إدغام ولا تشديد، على أن فيه غنة، ومقداره حركتان. وذلك نحو:{من بعد}، و:{أنبِئْهم}، و:{عليهمٌ بذات الصدور}.
والعلة في ذلك أن الميم مؤاخية للنون في الغنة والجهر، ومؤاخية للباء لأنها من مخرجها، ومشارِكةٌ لها في الجهر، فلما وقعت النون قبل الباء وتعذَّر إدغامها فيها لبعد المخرجين، ولا (أي تعذر) أن تكون ظاهرة لشبهها بأخت الباء وهي الميم أُبدلت منها ميمًا لمؤاخاتها النون والباء.
أما إدغام الباء في الميم فهو حسن، وقد قرئ في قوله تعالى:{اركب معنا}، ولا بد من إظهار الغنة لأنك أبدلت من الباء ميمًا ساكنة، وفيها غنة.
* القسم الرابع: الإخفاء:
ومعناهُ لغة: الستر، واصطلاحًا: عبارة عن النطق بحرف بصفة بين الإظهار والإدغام عار عن التشديد مع بقاء الغُنة في الحرف الأول وهو النون الساكنة والتنوين. ويفارق الإخفاءُ الإدغامَ لأنه بين الإظهار والإدغام.
وحقيقته إخفاء النون الساكنة والتنوين عند باقي الحروف التي لم يتقدم لها ذكر، وهي خمسة عشر حرفًا، يتضمنها أوائل كلمات هذا البيت:
صِفْ ذَا ثَنا كَمْ جَادَ شَخْصٌ قَدْ سَما * دُمْ طَيبًا زِدْ في تُقًى ضَعْ ظَالما
نحو:{ولمن صبر}؛ و:{وانصرنا}، و:{ريحًا صرصرًا}، و:{من ذلكَ}، و:{فأنذرتُكم}، و:{سراعًا ذلكَ}، و:{أن ثبتناك}، و:{منثورًا}، و:{ماء ثجّاجًا}، و:{من كان}، و:{أن تنكحوهنّ}، و:{قرية كانت}، و:{من جوعٍ}، و:{أنجانا}، و:{حُبًّا جمًّا}، و:{من شآءَ}، و:{يُنشىءُ}، و:{نفسٌ شيئًا}، و:{من قبلُ}، و:{منقلبون}، و:{شىءٍ قديرٌ}، و:{من سوءٍ}، و:{منسأتَه}، و:{بابٍ سلام}، و:{من دابةٍ}، و:{أندادًا}، و:{مستقيم دينًا}، و:{وإن طائفتانِ}، و:{قومًا طاغين}، و:{من زوال}، و:{أنزلنا}، و:{من فواقٍ}، و:{الإنفاق}، و:{وعميٌ فهُم}، و:{من تحتها}، و:{كنتم}، و:{جناتٍ تجري من تحتها الأنهار}، و:{إن ضللتُ}، و:{منضود}، و:{قومًا ضالين}، و:{من ظُلِم}، و:{ينظرون}، و:{قومٍ ظلموا}.
والعلَّة في إخفاء النون الساكنة والتنوين عندما ذكرنا أن النون قد صار لها مخرجان مخرج لها ومخرج لغنتها، فاتسعت في المخرج فأحاطت عند اتساعها بحروف الفم، فشاركتها بالإحاطة فخفيت عندها.