بسم الله الرحمن الرحيم
جميعنا شاهد مسلسل شيخ العرب همام للمؤلف عبدالرحيم كمال والمخرج حسني صالح والذي بلغت ميزانيته 60 مليون جنيه مصري وهي اضخم ميزانية لمسلسل في شهر رمضان المبارك لهذا العام 1431هـ وتحدث المسلسل عن تاريخ حقبة زمنية مهمة في عهد مصر المحروسة وهي فترة حكم المماليك لمصر واضطهادهم للعنصر العربي لكن المسلسل كان به مغالطات تاريخية كبيرة جداً لايمكن ان تمر مرور الكرام فلا أدري ما هوالمستند التاريخي الذي اعتمدا عليه المؤلف والمخرج في سردهم لتاريخ تلك الحقبة الزمنية بهذه الطريقة . فهل 60 مليون جنيه مصري قادرة على العبث في التاريخ ؟
إننا إذا نظرنا للكتب التاريخية التي وثقت تلك الفترة تظهر لنا علامات استفهام كثيرة من مغلطات المسلسل لا نعلم ما الدافع وراءها فالبداية صحيحة فكان هناك فعلا اضطهاد للعرب في الصعيد في ذلك العهد الغريب والذي اعتمد فيه العباسيون والفاطميين على المماليك في إدارة حكم مصر لضعفهم وانشغالهم وكانوا قبلها عبيدا يباعون من قبلهم . إن التاريخ يذكر انه لم يضاهي اضطهاد المماليك للقبائل العربية في صعيد مصر إلا الحملات المغولية في آسيا على المسلمين إلا أن من حسناتهم وقوفهم في وجه زحف المغول على بلاد الشام ومصر بمساندة المسلمين من العرب والكرد وغيرهم من المسلمين .
وكان يقابل ذلك الاضطهاد ثورات عربية بمشاركة كافة القبائل بلا استثناء لكن من ضمن تلك الثورات ثورة كبيرة وحّد بها شيخ عربي القبائل العربية في الصعيد المصري تحت رايته وربما هذه الثورة هي ما أراد المؤلف الإشارة لها في المسلسل لكنه وقع في خطأ تاريخي واضح سواء بقصد او بغير قصد فهل هذا الشيخ الذي وحد العرب تحت رايته هو الشيخ همام الهواري ؟
مع احترامي لقبيلة الهوارة كبيرهم وصغيرهم واحترامي لتاريخهم المجيد في الصعيد إلا أنه لم تجتمع كلمة قبائل العرب في الصعيد كله على امتداد تاريخ الصعيد في يوم من الأيام وخلال تلك الحقبة بالذات في عهدالمماليك أو ما قبلها في عهد الفاطميين إلا على يد رجل واحد وهو محمد بن واصل العركي الجهني الملقب بابن الأحدب شيخ بنو عرك وهم بطن قديم من جهينة كانوا يسكنون شمال غرب الجزيرة العربية ومن جبالهم الحُت ثم نزحوا مع من نزح من جهينة للصعيد ذكرهم ياقوت الحموي في معجم البلدان . وذكروا في كثير من كتب الانساب القديمة .
الحقيقة الواضحة أنه هو من قام بتوحيد القبائل العربية في صعيد مصر تحت رايته وحارب المماليك حرب شرسة وذلك بكثير من المصادر التاريخية ولعل أفضلها هو ما ذكره المقريزي لانه مؤرخ ومصري وعاش في ذلك العصر يقول تاج الدين أحمد ابن علي ابن عبد القادر ابن محمد المقريزي رحمه الله وهو عالم و مؤرخ مصري عاصر ذلك العهد الغريب عهدالمماليك وتوفي سنة 845هـ بالقاهرة في كتاب ( البيان والإعراب عما في أرض مصر من الأعراب )
وفي عام 749ـ نشب نزاع بين عرك وبني هلال، وتدخل المماليك في هذا النزاع، ومالأوا بني هلال، وقتل عدد كبير من المماليك وأمرائهم في هذا الحادث. وكان هذا إيذانا بحرب عنيفة بين المماليك والعركيين وحلفائهم. أما عرك فهي بطن من جهينة، كانوا في بلاد العرب في الشمال الغربي منها، ومن جبالهم الحُت.ثم انتقلوا مع جهينة إلى الصعيد الأعلى واستمرت حركة المقاومة حوالي خمس سنوات أو أكثر " 749 - 754هـ " بزعامة محمد بن واصل العركي الذي كان يلقب بالأحدب، لطوله وانحناء قامته، وبلغ من قوته أن نادى بالسلطة لنفسه، وجلس في جتر، وجعل خلفه المسند، وأجلس العرب حوله، ومد السماط بين يديه، وأنفذ أمره في الفلاحين، فلما عظم أمره عقد أمراء المماليك المشورة في عام 754هـ في أمر عرب الصعيد، وقرروا تجريد العسكر لهم. " فحشد محمد بن واصل الاحدب شيخ عرك الجهينية جموعه، وصمم على لقاء الأمراء، وحلف أصحابه على ذلك. وقد اجتمع معه عرب منفلوط وعرب المراغة، وبني كلب، وجهينة بما فيها عرك، حتى تجاوزت فرسانه عشرة آلاف فارس تحمل السلاح سوى الرجالة المعدة، فإنها لا تعد ولا تحصى لكثرتهم، وجمع الأحدب مواشي أصحابه كلهم وأموالهم وغلالهم وحريمهم وأولادهم،(( وهذه عادة في العرب يجمعون ابناءهم ونساءهم امامهم في الحرب حتى يبثون الحماسة في أنفسهم )) وأقام ينتظر قدوم العسكر " وشن المماليك الحملة عليهم، وبعث أمراء المماليك " ليؤمن بني هلال أعداء عرك، ويحضرهم ليقاتلوا عرك أعداءهم، فانخدعوا بذلك، وفرحوا به، وركبوا بأسلحتهم، وقدموا في أربعمائة فارس، فما هو إلا أن وصلوا إلى الأمير شيخو " قائد المماليك " حتى أمر بأسلحتهم وخيولهم فأخذت بأسرها ووضع فيهم السيف، فأفناهم جميعاً " . وقامت معارك عنيفة بين الحلف العركي والمماليك، وقتل من الجانبين خلق كثير، وطورد العرب إلى بلاد السودان، " ولم يبقى بدوي في صعيد مصر " ووصف ابن إياس نهاية هذه المعركة فقال: " ثم إن الأمراء مشوا وراء العربان الذين هربوا مسيرة سبعة أيام حتى دخلوا أطراف بلاد الزنج، ثم رجع الأمراء والسلطان إلى الديار المصرية "
يقول الـ أ.د. محمودالسيد استاذ التاريخ الإسلامي في كليمة المعلمين في المدينة المنورة( مصري) في كتابة تاريخ القبائل العربية في عهد الدولتين الأيوبية والمملوكية والذين ينقل عن كتاب المقريزي أيضاً ( قامت ثورة ابن الاحدب أوائل عام 752هـ واستمرت إلى عام 754هـ أي حوالي ثلاث سنوات وفي شوال عام 754هـ قررت الدولة إرسال حملة عسكرية إلى الصعيد وكانت هذه الحملة تتكون من فرقتين إحداهما اتجهت إلى قوس والأخرى إلى الواحات واسند قيادة الفرقتين إلى شيخوا أحد كبار القادة المماليك ولما وجد ابن الاحدب ان المماليك قداستعدوا لشن هجوم شامل على العرب وأنهم عزمواعلى اصطناع كل وسائل العنف والقسوة عمد إلى عقد تحالف مع القبائل فاجتمع مع عرب منفلوط وعرب المراغة فوصل عدد الفرسان العرب إلى ما يزيد عن عشرة آلاف فارس واجتمع معه مالا يحصى من المشاة ولما وصل الأمير شيخوا قائدالحملة إلى أسيوط وبلغه قوة العرب وخشي من لقاء ابن الاحدب آثر أن يستخدم الحيلة والدهاء واسلوب الخداع مع العرب فبعث بأحد الامراء يعطي الأمان لعرب بني هلال واستدرجهم حتى قدموا إليه بأسلحتهم ووقعوا في شرك الخديعة فقبلوا الأمان الكاذب الذي أعطاه لهم وبعد أن تخلص المماليك من عرب بني هلال بالأسر والقتل تفرغوا لبقية عرب بقيادة ابن الاحدب العركي الجهيني وتلاقت طلائع العرب مع طلائع المماليك قرب ادفو في برية بوادي يسمى وادي الغزلان حدث أن بدأ القتال بين العرب والمماليك استخدمالعرب طريقة الكر والفر فكانوا يقاتلون المماليك وينسحبون حينا ثم يعودون مرة أخرى وهكذا ولكن العرب عندما أوشكوا على قهر المماليك قدمت إلى هؤلاء نجدةبقيادة شيخو فرجحت كفة المماليك وانهزم العرب ولقد انتقم المماليك من العرب بعدالمعركة فأوقعوا بهم أشد العذاب إلى حد أن جماعة من العرب آثروا الانتحار من أعلى الجبل على الاستسلام ثم توسط الشيخ ابو القاسم الطحاوي أحد الصوفية ذوي النفوذ عندالأمير شيخو في ذلك الحين في أمر ابن الأحدب فقبلت وساطته فرسم له بإقطاع وعاد الأحدب إلى بلاده بعد ما أقام نحو شهر وقد ألبسه السلطان تشريفا ثانيا
ثم يذكر المؤلف في موضع آخر من كلامه هو (من خلال وساطة الشيخ أبي القاسم الطحاوي ومعاونته للأحدب في عودته إلى مكانته الأولى يتبين أن الحركات الثورية للعرب ومنها ثورة ابن الاحدب العركي الجهيني كانت ثورات هادفة ذات مقاصد معينة منها إصلاح أحوال الصعيد بعد أن انصرف الحكام عن الاهتمام به وتعدد مشاكله كما أن ظهور ابن الأحدب بمظر الحاكم في الفترة التي بسط فيها سيطرته على الصعيد تعبر عن مشاعر الطموح التي كثيرا ما حركت العرب للاستيلاء على السلطة في البلاد لولا المعونة العسكرية التي كانت تتوفر للمماليك فيقضون فيها على مطامع العرب . كنا أن مساندة ابي القاسم الطحاوي للاحدب تعد دليلا واضحاً على عدالة قضية العرب وتبرر في الوقت نفسه حقهم في الاستياء والتذمر كما أن قبول المماليك إعادة ابن الاحدب إلى مكانته واعزازه يحمل معنى قبول عذره )
هذه الثورة تقريبا هي أكبر ثورة عربية ضدالمماليك واقرب سيناريو لمسلسل شيخ العرب همام والذي لم يتطرق فيه أبداً لا لصاحب الثورة العربية الحقيقية محمد بن واصل العركي ولا لأي من القبائل العربية في الصعيد سوى لهوارة مع احترامنا لوضع الهوارة ككيان قبلي في الصعيد له أهميته لكن لماذا لم يتطرق المؤلف والمخرج لبقية القبائل وسوف يقول قائل ربما أنها ثورة أخرى غير هذه الثورة فنرجع أيضاً للتاريخ ونقرأ بتمعن في الثورات التي سبقت هذه الثورة وكانت ثورات على استحياء فنجد أن أفضل حالهم كان في عام 698هـ كما ذكر في كتاب المقريزي بيان الإعراب عما في أرض مصر من الأعراب يقول المؤلف
( ففي عام 698هـ قامت أحلاف من البدو، لم تذكر المصادر أسماء قبائلهم؛ ولكن كان مسرحها منفلوط وأسيوط. وهذا ما يحملنا على الظن بأن جهينة، كان لها نصيب في هذه الحركة، إن لم تكن قد حملت لواءها. وكان الغرض من هذه الحركة السيطرة على منطقة الصعيد " ففرضوا على التجار وأرباب المعايش بأسيوط ومنفلوط فرائض جبوها، واستخفوا بالولاة، ومنعوا الخراج، وتسموا بأسماء الأمراء، وجعلوا لهم كبيرين: أحدهما سموه سلار والآخر بيبرس " وهما اسما أميرين من المماليك كانا معاصرين لهذه الأحداث " ولبسوا الأسلحة وأخرجوا أهل السجون " . واستمرت حركة المقاومة ثلاث سنوات، ثم قضى المماليك عليها، " وخلت بلاد الصعيد من أهلها بحيث صار الرجل يمشي فلا يجد في طريقه أحداً، وينزل القرية فلا يرى إلا النساء والصبيان، ثم أفرج السلطان عن المأسورين وأعادهم إلى بلادهم لحفظ البلاد "
والذي يأكد أن شيخ العرب هو محمد بن واصل العركي الجهني ايضا ذكر جهينة على أنها أكثر عرب الصعيد واكثرها بسط ونفوذا في ذلك الوقت بعض الكتب مثل (المقريزي في البيان والإعراب، ص32 ، والقلقشندي في نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب ص221 ط القاهرة والقلقشندي في قلائد الجمان رقم 381) تأكد ذلك
وهذا غيض من فيض والمصادرالتاريخية كثيرة ولم تتطرق أبداً لتلك الاحداث بالطريقة التي سردها المسلسل صاحب أكبر ميزانية لهذا العام في مسلسلات رمضان ولكن لم اقتبس الا القليل منها .
انني في الوقت الذي أنكر فيه على مخرج المسلسل والمؤلف استئثارهما صعيد مصر كله في قبيلة الهوارة فقط لا اريد من موضوعي هذا ايضاً حصر الصعيد كله في قبيلتي جهينة ففي الصعيد كثير من القبائل العربية مثل بنو هلال والاشراف والبراهمه والعسيرات وبلي والكبابيش وبني محارب وبني كلاب ومطير والعوازم لم يشر لها المخرج لا من قريب ولا بعيد خصوصا أنه يوهم المشاهد أن الشيخ همام الهواري وحدالقبائل العربية الصعيدية كلها ضد المماليك وفي نفس الوقت لم يذكر أي من هذه القبائل العربية لا من قريب ولا من بعيد ولم يشر حتى لمؤسس الثورة الحقيقي فسرد تاريخاً صحيحاً ونسبه لشخصية أخرى .
أخيراً ارجع لما قلته في البداية واتسائل هل الـ 60 مليون جنيه مصري قادرة على العبث في التاريخ ؟؟
جميعنا شاهد مسلسل شيخ العرب همام للمؤلف عبدالرحيم كمال والمخرج حسني صالح والذي بلغت ميزانيته 60 مليون جنيه مصري وهي اضخم ميزانية لمسلسل في شهر رمضان المبارك لهذا العام 1431هـ وتحدث المسلسل عن تاريخ حقبة زمنية مهمة في عهد مصر المحروسة وهي فترة حكم المماليك لمصر واضطهادهم للعنصر العربي لكن المسلسل كان به مغالطات تاريخية كبيرة جداً لايمكن ان تمر مرور الكرام فلا أدري ما هوالمستند التاريخي الذي اعتمدا عليه المؤلف والمخرج في سردهم لتاريخ تلك الحقبة الزمنية بهذه الطريقة . فهل 60 مليون جنيه مصري قادرة على العبث في التاريخ ؟
إننا إذا نظرنا للكتب التاريخية التي وثقت تلك الفترة تظهر لنا علامات استفهام كثيرة من مغلطات المسلسل لا نعلم ما الدافع وراءها فالبداية صحيحة فكان هناك فعلا اضطهاد للعرب في الصعيد في ذلك العهد الغريب والذي اعتمد فيه العباسيون والفاطميين على المماليك في إدارة حكم مصر لضعفهم وانشغالهم وكانوا قبلها عبيدا يباعون من قبلهم . إن التاريخ يذكر انه لم يضاهي اضطهاد المماليك للقبائل العربية في صعيد مصر إلا الحملات المغولية في آسيا على المسلمين إلا أن من حسناتهم وقوفهم في وجه زحف المغول على بلاد الشام ومصر بمساندة المسلمين من العرب والكرد وغيرهم من المسلمين .
وكان يقابل ذلك الاضطهاد ثورات عربية بمشاركة كافة القبائل بلا استثناء لكن من ضمن تلك الثورات ثورة كبيرة وحّد بها شيخ عربي القبائل العربية في الصعيد المصري تحت رايته وربما هذه الثورة هي ما أراد المؤلف الإشارة لها في المسلسل لكنه وقع في خطأ تاريخي واضح سواء بقصد او بغير قصد فهل هذا الشيخ الذي وحد العرب تحت رايته هو الشيخ همام الهواري ؟
مع احترامي لقبيلة الهوارة كبيرهم وصغيرهم واحترامي لتاريخهم المجيد في الصعيد إلا أنه لم تجتمع كلمة قبائل العرب في الصعيد كله على امتداد تاريخ الصعيد في يوم من الأيام وخلال تلك الحقبة بالذات في عهدالمماليك أو ما قبلها في عهد الفاطميين إلا على يد رجل واحد وهو محمد بن واصل العركي الجهني الملقب بابن الأحدب شيخ بنو عرك وهم بطن قديم من جهينة كانوا يسكنون شمال غرب الجزيرة العربية ومن جبالهم الحُت ثم نزحوا مع من نزح من جهينة للصعيد ذكرهم ياقوت الحموي في معجم البلدان . وذكروا في كثير من كتب الانساب القديمة .
الحقيقة الواضحة أنه هو من قام بتوحيد القبائل العربية في صعيد مصر تحت رايته وحارب المماليك حرب شرسة وذلك بكثير من المصادر التاريخية ولعل أفضلها هو ما ذكره المقريزي لانه مؤرخ ومصري وعاش في ذلك العصر يقول تاج الدين أحمد ابن علي ابن عبد القادر ابن محمد المقريزي رحمه الله وهو عالم و مؤرخ مصري عاصر ذلك العهد الغريب عهدالمماليك وتوفي سنة 845هـ بالقاهرة في كتاب ( البيان والإعراب عما في أرض مصر من الأعراب )
وفي عام 749ـ نشب نزاع بين عرك وبني هلال، وتدخل المماليك في هذا النزاع، ومالأوا بني هلال، وقتل عدد كبير من المماليك وأمرائهم في هذا الحادث. وكان هذا إيذانا بحرب عنيفة بين المماليك والعركيين وحلفائهم. أما عرك فهي بطن من جهينة، كانوا في بلاد العرب في الشمال الغربي منها، ومن جبالهم الحُت.ثم انتقلوا مع جهينة إلى الصعيد الأعلى واستمرت حركة المقاومة حوالي خمس سنوات أو أكثر " 749 - 754هـ " بزعامة محمد بن واصل العركي الذي كان يلقب بالأحدب، لطوله وانحناء قامته، وبلغ من قوته أن نادى بالسلطة لنفسه، وجلس في جتر، وجعل خلفه المسند، وأجلس العرب حوله، ومد السماط بين يديه، وأنفذ أمره في الفلاحين، فلما عظم أمره عقد أمراء المماليك المشورة في عام 754هـ في أمر عرب الصعيد، وقرروا تجريد العسكر لهم. " فحشد محمد بن واصل الاحدب شيخ عرك الجهينية جموعه، وصمم على لقاء الأمراء، وحلف أصحابه على ذلك. وقد اجتمع معه عرب منفلوط وعرب المراغة، وبني كلب، وجهينة بما فيها عرك، حتى تجاوزت فرسانه عشرة آلاف فارس تحمل السلاح سوى الرجالة المعدة، فإنها لا تعد ولا تحصى لكثرتهم، وجمع الأحدب مواشي أصحابه كلهم وأموالهم وغلالهم وحريمهم وأولادهم،(( وهذه عادة في العرب يجمعون ابناءهم ونساءهم امامهم في الحرب حتى يبثون الحماسة في أنفسهم )) وأقام ينتظر قدوم العسكر " وشن المماليك الحملة عليهم، وبعث أمراء المماليك " ليؤمن بني هلال أعداء عرك، ويحضرهم ليقاتلوا عرك أعداءهم، فانخدعوا بذلك، وفرحوا به، وركبوا بأسلحتهم، وقدموا في أربعمائة فارس، فما هو إلا أن وصلوا إلى الأمير شيخو " قائد المماليك " حتى أمر بأسلحتهم وخيولهم فأخذت بأسرها ووضع فيهم السيف، فأفناهم جميعاً " . وقامت معارك عنيفة بين الحلف العركي والمماليك، وقتل من الجانبين خلق كثير، وطورد العرب إلى بلاد السودان، " ولم يبقى بدوي في صعيد مصر " ووصف ابن إياس نهاية هذه المعركة فقال: " ثم إن الأمراء مشوا وراء العربان الذين هربوا مسيرة سبعة أيام حتى دخلوا أطراف بلاد الزنج، ثم رجع الأمراء والسلطان إلى الديار المصرية "
يقول الـ أ.د. محمودالسيد استاذ التاريخ الإسلامي في كليمة المعلمين في المدينة المنورة( مصري) في كتابة تاريخ القبائل العربية في عهد الدولتين الأيوبية والمملوكية والذين ينقل عن كتاب المقريزي أيضاً ( قامت ثورة ابن الاحدب أوائل عام 752هـ واستمرت إلى عام 754هـ أي حوالي ثلاث سنوات وفي شوال عام 754هـ قررت الدولة إرسال حملة عسكرية إلى الصعيد وكانت هذه الحملة تتكون من فرقتين إحداهما اتجهت إلى قوس والأخرى إلى الواحات واسند قيادة الفرقتين إلى شيخوا أحد كبار القادة المماليك ولما وجد ابن الاحدب ان المماليك قداستعدوا لشن هجوم شامل على العرب وأنهم عزمواعلى اصطناع كل وسائل العنف والقسوة عمد إلى عقد تحالف مع القبائل فاجتمع مع عرب منفلوط وعرب المراغة فوصل عدد الفرسان العرب إلى ما يزيد عن عشرة آلاف فارس واجتمع معه مالا يحصى من المشاة ولما وصل الأمير شيخوا قائدالحملة إلى أسيوط وبلغه قوة العرب وخشي من لقاء ابن الاحدب آثر أن يستخدم الحيلة والدهاء واسلوب الخداع مع العرب فبعث بأحد الامراء يعطي الأمان لعرب بني هلال واستدرجهم حتى قدموا إليه بأسلحتهم ووقعوا في شرك الخديعة فقبلوا الأمان الكاذب الذي أعطاه لهم وبعد أن تخلص المماليك من عرب بني هلال بالأسر والقتل تفرغوا لبقية عرب بقيادة ابن الاحدب العركي الجهيني وتلاقت طلائع العرب مع طلائع المماليك قرب ادفو في برية بوادي يسمى وادي الغزلان حدث أن بدأ القتال بين العرب والمماليك استخدمالعرب طريقة الكر والفر فكانوا يقاتلون المماليك وينسحبون حينا ثم يعودون مرة أخرى وهكذا ولكن العرب عندما أوشكوا على قهر المماليك قدمت إلى هؤلاء نجدةبقيادة شيخو فرجحت كفة المماليك وانهزم العرب ولقد انتقم المماليك من العرب بعدالمعركة فأوقعوا بهم أشد العذاب إلى حد أن جماعة من العرب آثروا الانتحار من أعلى الجبل على الاستسلام ثم توسط الشيخ ابو القاسم الطحاوي أحد الصوفية ذوي النفوذ عندالأمير شيخو في ذلك الحين في أمر ابن الأحدب فقبلت وساطته فرسم له بإقطاع وعاد الأحدب إلى بلاده بعد ما أقام نحو شهر وقد ألبسه السلطان تشريفا ثانيا
ثم يذكر المؤلف في موضع آخر من كلامه هو (من خلال وساطة الشيخ أبي القاسم الطحاوي ومعاونته للأحدب في عودته إلى مكانته الأولى يتبين أن الحركات الثورية للعرب ومنها ثورة ابن الاحدب العركي الجهيني كانت ثورات هادفة ذات مقاصد معينة منها إصلاح أحوال الصعيد بعد أن انصرف الحكام عن الاهتمام به وتعدد مشاكله كما أن ظهور ابن الأحدب بمظر الحاكم في الفترة التي بسط فيها سيطرته على الصعيد تعبر عن مشاعر الطموح التي كثيرا ما حركت العرب للاستيلاء على السلطة في البلاد لولا المعونة العسكرية التي كانت تتوفر للمماليك فيقضون فيها على مطامع العرب . كنا أن مساندة ابي القاسم الطحاوي للاحدب تعد دليلا واضحاً على عدالة قضية العرب وتبرر في الوقت نفسه حقهم في الاستياء والتذمر كما أن قبول المماليك إعادة ابن الاحدب إلى مكانته واعزازه يحمل معنى قبول عذره )
هذه الثورة تقريبا هي أكبر ثورة عربية ضدالمماليك واقرب سيناريو لمسلسل شيخ العرب همام والذي لم يتطرق فيه أبداً لا لصاحب الثورة العربية الحقيقية محمد بن واصل العركي ولا لأي من القبائل العربية في الصعيد سوى لهوارة مع احترامنا لوضع الهوارة ككيان قبلي في الصعيد له أهميته لكن لماذا لم يتطرق المؤلف والمخرج لبقية القبائل وسوف يقول قائل ربما أنها ثورة أخرى غير هذه الثورة فنرجع أيضاً للتاريخ ونقرأ بتمعن في الثورات التي سبقت هذه الثورة وكانت ثورات على استحياء فنجد أن أفضل حالهم كان في عام 698هـ كما ذكر في كتاب المقريزي بيان الإعراب عما في أرض مصر من الأعراب يقول المؤلف
( ففي عام 698هـ قامت أحلاف من البدو، لم تذكر المصادر أسماء قبائلهم؛ ولكن كان مسرحها منفلوط وأسيوط. وهذا ما يحملنا على الظن بأن جهينة، كان لها نصيب في هذه الحركة، إن لم تكن قد حملت لواءها. وكان الغرض من هذه الحركة السيطرة على منطقة الصعيد " ففرضوا على التجار وأرباب المعايش بأسيوط ومنفلوط فرائض جبوها، واستخفوا بالولاة، ومنعوا الخراج، وتسموا بأسماء الأمراء، وجعلوا لهم كبيرين: أحدهما سموه سلار والآخر بيبرس " وهما اسما أميرين من المماليك كانا معاصرين لهذه الأحداث " ولبسوا الأسلحة وأخرجوا أهل السجون " . واستمرت حركة المقاومة ثلاث سنوات، ثم قضى المماليك عليها، " وخلت بلاد الصعيد من أهلها بحيث صار الرجل يمشي فلا يجد في طريقه أحداً، وينزل القرية فلا يرى إلا النساء والصبيان، ثم أفرج السلطان عن المأسورين وأعادهم إلى بلادهم لحفظ البلاد "
والذي يأكد أن شيخ العرب هو محمد بن واصل العركي الجهني ايضا ذكر جهينة على أنها أكثر عرب الصعيد واكثرها بسط ونفوذا في ذلك الوقت بعض الكتب مثل (المقريزي في البيان والإعراب، ص32 ، والقلقشندي في نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب ص221 ط القاهرة والقلقشندي في قلائد الجمان رقم 381) تأكد ذلك
وهذا غيض من فيض والمصادرالتاريخية كثيرة ولم تتطرق أبداً لتلك الاحداث بالطريقة التي سردها المسلسل صاحب أكبر ميزانية لهذا العام في مسلسلات رمضان ولكن لم اقتبس الا القليل منها .
انني في الوقت الذي أنكر فيه على مخرج المسلسل والمؤلف استئثارهما صعيد مصر كله في قبيلة الهوارة فقط لا اريد من موضوعي هذا ايضاً حصر الصعيد كله في قبيلتي جهينة ففي الصعيد كثير من القبائل العربية مثل بنو هلال والاشراف والبراهمه والعسيرات وبلي والكبابيش وبني محارب وبني كلاب ومطير والعوازم لم يشر لها المخرج لا من قريب ولا بعيد خصوصا أنه يوهم المشاهد أن الشيخ همام الهواري وحدالقبائل العربية الصعيدية كلها ضد المماليك وفي نفس الوقت لم يذكر أي من هذه القبائل العربية لا من قريب ولا من بعيد ولم يشر حتى لمؤسس الثورة الحقيقي فسرد تاريخاً صحيحاً ونسبه لشخصية أخرى .
أخيراً ارجع لما قلته في البداية واتسائل هل الـ 60 مليون جنيه مصري قادرة على العبث في التاريخ ؟؟